في الغرب حديث عن ثورة صناعية جديدة باتت وشيكة، تقودها تقنية «الصناعة بالطباعة المُجسّمة» 3D Printing Industry. تستند هذه الصناعة إلى آلات تستطيع صنع منتجات عبر «طباعتها» بمجسّمات فعلية. مثلاً، إذا أردنا إنتاج أنبوب مطاط، يكفي أن نعطي الكومبيوتر رسوماً عن الأنبوب. ثم يحوّل الكومبيوتر الرسوم إلى صور ثلاثية الأبعاد، وينقلها إلى آلات مختصة بالطباعة الثلاثية الأبعاد، بمعنى أن لها طولاً وعرضاً وعمقاً. وتأخذ هذه الآلات جزيئات مادة البلاستيك، ثم تنفثها على هيئة الأنبوب المُراد صنعه، وتلصقها بغراء من نوع خاص يشبه الغبار اللاصق. واستفادت صناعات كثيرة من أسلوب «الطباعة المُجسّمة». وأبدى علماء الطب والبيولوجيا اهتماماً كبيراً بها، لأنها تعد بإمكان صنع أنسجة الجسم (وتالياً أعضائه) بطريقة «الطباعة الثلاثية الأبعاد»، مع ملاحظة أنها تغني عن التبرع بالأعضاء مع ما يرافقها من مشاكل كرفض الجسم لها. وهناك كثير من الأعضاء القابلة للاستبدال بأعضاء مصنوعة من مواد غير حيوية. ومن الشائع استعمال أنابيب من مادة ال «تيفلون» الشبيهة بالبلاستيك الخفيف محل الشرايين التالفة. ولعل الأكثر جدّة في هذا المجال تمثّل في نجاح أطبّاء في صنع قصبة هوائية بتقنية «الطباعة المُجسّمة». ثم عمدوا إلى زرع هذه القصبة في طفل وُلِد محروماً من هذا العضو الأساسي لاستمرار حياة الكائن البشري. بديل لحنجرة متهاوية في «مستشفى سي. إس موت للأطفال» التابع لجامعة ميتشيغن، وُلِد طفل يعاني من تهافت في القصبة الهوائية والحنجرة، ما يعني أن انهيارهما في أي لحظة، يؤدي إلى توقف أنفاس هذا الطفل. وعمد مختصون في «مستشفى سي. إس موت للأطفال» إلى صنع أنبوب من مادة تسمّى «بوليكابرولاكتون»، يملك هيئة القصبة الهوائية وحنجرتها. وأحيط الأنبوب بمواد غضروفية حيّة، بمعنى أنه من الممكن أن تتلاصق مع بعضها بعضاً كي تكوّن قصبة هوائية بديلة. وخلال هذا الوقت، يمتص الجسم مادة ال «بوليكابرولاكتون»، مع بقاء القصبة البديلة وحنجرتها. ويحتاج الجسم إلى قرابة 3 سنوات لامتصاص أنبوب ال «بوليكابرولاكتون». وبلغ الطفل المشار إليه آنفاً شهره العشرين، وهو يتنفس طبيعياً. ومنح «مكتب الغذاء والدواء» الأميركي أطباء «مستشفى سي. إس موت للأطفال»، موافقته بصورة طارئة على هذه العملية التي تضمّنت طباعة ثلاثية الأبعاد لمئة «قوس» من مادة ال «بوليكابرولاكتون»، وُضِعَت على هيئة أنبوب، ووُضِعت مكان القصبة الهوائية والحنجرة المتهاويتين، مع شبكة أنسجة غضروفية حيّة تكفل أن تعيد صنع قصبة هوائية وحنجرة طبيعيتين لهذا الطفل. وفي هذا الصّدد، قال الدكتور غلين غرين وهو أستاذ في جامعة ميتشيغن، تمكّن بمساعدة زميله الدكتور سكوت هوليستر من إنجاز هذه الفكرة: «كانت العملية مذهلة، فبمجرّد خياطة العضو البديل، بدأت الرئتان ترتفعان وتنزلان للمرة الأولى، وتأكّدنا عندئذٍ من أنّ الطفل سيكون على ما يرام». وبعد مرور 21 يوماً على إجراء هذه العمليّة، لم يعد الطفل في حاجة إلى جهاز التنفّس الاصطناعي، كما لم يعاني منذها من مشاكل في التنفّس. وقبل عملية الزرع الجبيرة، عانى الطفل من نوبات توقّف التنفس بصورة فجائية، بل إنه كان يحتاج إلى إنعاش يوميّ. وأُجريت عملية زرع القصبة المصنوعة بالطباعة المُجسّمة عندما كان الطفل في عمر ستة أسابيع.