بعد أن أنهى علومه في جامعات داخل الولايات المتّحدة، عاد كمال يوسف تومي، ككثرٍ من أمثاله، إلى وطنه الأم (الجزائر) أملاً بالاستقرار والمساهمة بنهوض الجزائر علمياً وأكاديمياً وتكنولوجياً. إلا أنه سرعان ما غادر بلاده مُرغماً، بفعل ظروف أمنية داخلية من جهة، والاستخفاف بعلومه وشهاداته من الجهة الأخرى. ثم انخرط في الأكاديمية الأميركية بمعطياتها المتشابكة كافة. وُلِد هذا العالِم الأميركي - الجزائري في عام 1954 في مدينة قصر البخاري في ولاية مدية. وحصل على بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة «سينسيناتي» الأميركية (عام 1979). ثم نال شهادتي الماجستير والدكتوراه من «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» (يُعرَف باسمه المختصر «إم آي تي» MIT) في عام 1986. واستقر في هذا المعهد الذي يعتبر من أبرز مراكز التميّز علميّاً. وما زال يعمل فيه لغاية الآن، أستاذاً وباحثاً في الهندسة الميكانيكية، بل يعتبر من أبرز علماء «إم آي تي» في تصميم النُظُم الديناميكية والتحكم بآلياتها وتطبيقاتها العملية. محاكاة الروبوت للأسماك شملت بحوث تومي مروحة واسعة من نُظُم الروبوت والأتمتة والنانوتكنولوجيا، خصوصاً ما تعلّق منها بأجهزة القياس السريعة. وحقّق إنجازات كبيرة في هذه الحقول. وفي مقابلة مع «الحياة»، تحدّث تومي عن الآلات الأوتوماتيكية، مُبيّناً أنه ابتكر جهازاً للنسخ ضوئياً «سكانر» Scanner، على مقياس يقلّ عن النانومتر (جزء من البليون من المتر) بمقدار 10 أضعاف، إضافة إلى أنه أسرع من الأجهزة الرائجة في هذا المجال، بمقدار 1300 ضعف. وتميّز ال «سكانر» الذي صنعه تومي ب «الدقة في الصنع، وجودة المواد المستخدمة فيه، خصوصاً أشباه الموصلات «سيمي كونداترز» semi-conductor، وذاكرته الإلكترونيّة القويّة، وإمكان استعماله كهاتف خليوي أيضاً». وأوضح تومي أن هذا ال «سكانر»، بأثر من سرعته الهائلة، يستخدم أيضاً في مجال التقنيّات البيولوجية للكشف عن البكتيريا والفيروس (وكذلك في صنع الأدوية المُضادة لهذين العنصرين)، مع ملاحظة أن ال «نانوسكانر» يظهر الأشياء التي يتعامل معها على شريط فيديو، ولا يكتفي بالتقاط صور ثابتة لها. ووفق التومي، أدت هذه الميزات إلى الإقبال على استعمال هذا ال «نانوسكانر» في مجالات شملت الهندسة والطب وتركيب الأدوية وغيرها. وتضمّنت إنجازات تومي صنع مجموعة من الروبوتات التي تعمل بصورة مستقلّة، بمعنى أنها تتحرك، بل تتحكّم في أنماط حركتها بصورة ذاتية كليّاً. والآن، تستخدم هذه الروبوتات في قطاعات البترول والغاز، في عمليات التنقيب خصوصاً في الخزانات العميقة للبترول، وفي خزانات الغاز المُبرّد التي تنخفض الحرارة فيها إلى ما دون 162 درجة تحت الصفر. وأوضح تومي أن هذه الروبوتات تتمركز على أسطح الخزانات كي تراقب ما يجري في داخلها من خلل أو عيوب فنية أو تسرب للغاز، مشيراً إلى أن الغاز يتقلّص في ظل البرودة الشديدة، ما يُسهّل تخزينه ونقله من بلد إلى آخر. وتستخدم هذه الروبوتات حالياً، وفق تومي، في مشاريع واعدة في المملكة العربية السعودية التي تعتمد على تحلية مياه البحر بنسبة 80 في المئة. وتكمن أهمية هذه الأجهزة الأوتوماتيكية في الكشف عن تسرّب المياه في الأنابيب الكبيرة التي تربط المركز بالمدن. «في مدينة الرياض، هناك شبكة تحت الأرض تحمل مياه الشرب، يصل طولها إلى قرابة 400 كيلومتر. وبصورة دائمة، تحتاج هذه الشبكة إلى معالجة بعض المشاكل التي تحدث بين الحين والآخر، مثل تسرّب المياه أو تآكل الأنابيب أو تنقية المياه المالحة وغيرها. وربما يصل معدل التسرّب في هذه الأنابيب إلى قرابة ال30 في المئة، ما يمثّل خسارة كبيرة توجب العمل على تداركها». ولعل أحد «أطرف» إنجازات تومي هو صنعه روبوتاً يحاكي السمكة في اللون والشكل، بل إنه يتحرّك في الماء كالسمك تماماً، ويستطيع التعايش والانسجام مع قطيع من روبوتات - الأسماك بصورة سلسة تماماً. «لا يشكّل هذا الروبوت أذيّة للأسماك، ولا يتصرف بصورة عدائية تجاهها. ويتميّز بأناقته ورشاقته وجمال شكله، وسرعة حركته، وقدرته على تنسيق حركة ذيله ورأسه ومنتصف جسمه، إضافة إلى قدراته الفائقة في المناورة والوصول إلى الأماكن الضيّقة التي لا تستطيع أن تصلها المركبات البحريّة. تصنع هذه الروبوتات من مُكوّنات تحميها من أخطار البيئة البحرية، وتسرب الماء إلى داخلها، وتعرضها لعوامل التلف. ويبلغ طول الروبوت أقل من قدم، ويديره محرك فائق الصغر لكنه منخفض التكاليف، ويعمل لقرابة 4 سنوات. ويحتاج الروبوت إلى قوة كهربائية بطاقة 5 واط/ ساعة تقريباً، تأتيه من مصدر خارجي أو من بطارية مثبتة في داخله. تكمن الغاية من اختراع روبوت - الأسماك في مراقبة الحياة البحريّة والنباتية والبيئية، وأخذ المعلومات عنها، وعن حال البحر والتلوّث، ومراقبة ظهور أنواع الأسماك أو انقراضها. ويحتوي الروبوت نُظُم استشعار من بعد، تستطيع أن تحدّد عمق الغوص، وتمسح الأجسام الغارقة، إضافة إلى شبكات الغاز والبترول. وأشار تومي إلى أن هذا الروبوت صُنِع بالتعاون بين «معهد إم آي تي» وشركة «شلمبرغِر» في سنغافورة، وشركات عالمية أخرى. محاضرات وكتب وبراءات اختراع يتمتع البروفسور تومي برصيد مهني كبير تدعمه خبرة أكاديمية مكينة، مع غزارة في الإنتاج، ومكانه علمية مرموقة في مؤسسات البحوث والإنتاج. وحصل على جوائز تكريم مرموقة تقديراً لموقعه علمياً إذ عمل مستشاراً في أكبر مختبرات أميركا وشركاتها، إضافة إلى شركات خارج الولاياتالمتحدة. وتشمل قائمة الشركات التي عمل فيها تومي، «بروكتر أند غامبل» procter and gamble للصناعات الاستهلاكية، و «شلمبرغر» schlumberger للخدمات البترولية، و«جيليت» gilette، و«مختبرات تي أند تي» T&T و«مختبر بيل» Bell، و«آيدو فاريان» Ido Varian، و«أكسيوم» Axiom، و«دايو» Dewo الكورية الجنوبية، و«الوكالة الوطنية (الأميركية) للتكنولوجيا»، و«مركز التنمية التكنولوجي» في فنلندا، و«مختبرات بحوث دلتا» الأميركية، و«جنتك» Jentec الأميركية أيضاً، و«ميتسوبيشي» Mitsubishi اليابانيّة للصناعات الكهربائية، وغيرها. وفي مجال آخر قام تومي بتدريس دورات في النُظُم الديناميكية، والمحاكاة الافتراضية على الكومبيوتر، والروبوتات المتطوّرة، والميكانيكا الإلكترونيّة «ميكاترونيك» Mechatronic. وألقى محاضرات في عشرات المؤتمرات والندوات والجامعات والشركات. ونشر ما يزيد على 120 ورقة علمية في مجلات عالمية مختصة. وألّف كتاباً حول «النظرية والتطبيق لمحرك الروبوت». ويعكف حالياً على تأليف كتاب آخر حول «النظم والتصميم والتحكم». وتوج سجله العلمي حتى اليوم بتسع براءات اختراع في مجالي الهندسة الميكانيكية والروبوتية. كما شغل تومي مناصب مهمة في عدد من المؤسّسات العلمية، كعضويته في «المؤسسة الوطنيّة (الأميركية) للعلوم»، و«شبكة الاتحاد الأوروبي لتمويل آلات الإنتاج والنُظُم المبتكرة»، و«مجلس البحوث الأميركي» وغيره. وفي معهد «إم آي تي»، شغل التومي عضوية «المجلس الاستشاري للبرامج الدولية»، وترأّس لجنة المناهج الجامعية، وشارك في إدارة «مركز المياه والطاقة النظيفة»، وترأّس أيضاً لجنة «الرقابة وأجهزة الروبوت» في قسم الهندسة الميكانيكية في هذا المعهد. وأبدى تومي اعتزازه بحفنة من الجوائز، خصوصاً جائزتي «مؤسسة العلوم الوطنية (الأميركية)» للإنجاز في البحث والتدريس، و «رونالد ريغان» التي مُنحَت له عن أفضل ورقة علمية في النُظُم الميكانيكية للقياس والتحكّم. وتناول تومي مسألة تواصله مع الجزائر وبلدان عربية أخرى، فأكّد حرصه على زيارتها من حين لآخر.