في عالم شبيه بالأحلام كنت أمشي فرأيت مبنى كبيراً، دخلته فاستقبلتني موظفة الاستقبال بترحيب وابتسامة على وجهها وقامت باعطائي خريطة للمبنى فيها أقسامه وأماكن الاستراحة، المطعم، ومحل الهدايا. نظرت إليها بدهشة، ابتسمت وأكملت طريقي حتى مررت بمكتب مكتوب عليه بكل اللغات. «أهلاً وسهلاً نحن هنا لمساعدتك، وكان من ضمن اللغات المكتوبة اللغة العربية، علمت أن هذا المكتب لمساعدة الأشخاص من مختلف الجنسيات. صعدت إلى المطعم فكان به ما لذ وطاب. بأسعار رمزية له إطلالة جميلة ويتسم بالنظافة، كان يشاركني وجبة الإفطار عامل النظافة والمريض والطبيب، الكل مستمتع بوقته، ولا أحد متضايق من وجود أحد، فالكل هناك سواسية، علمت حينها أني بمستشفى. بعد الإفطار استقبلتني الممرضة، رحبت بي بحرارة ثم أعطتني عشرات الأوراق حتى أملأها، كانت تتضمن أسئلة كثيرة عن تاريخ عائلتي المرضي وعن تاريخ العمليات التي أجريتها والكثير من الأسئلة التي لا تدل إلا على اهتمامهم البالغ بصحتي. قابلني الطبيب وطلب فحصاً شاملاً لكل شيء روادته الشكوك حول نتيجة تحليل معين فطلب إعادته مرتين للتأكد من سلامتي. وبترحيب وابتسامة على وجوه كل من في المستشفى غادرت. لو قرأ كلامي مريض مسكين من وطني لظنه حلماً، لأنه لا يمت للواقع بشيء، ولو قرأه شخص أجنبي لتعجب من سردي لتفاصيل هذا الحلم، لأنه واقع يعيشه كل يوم، ولأنه هو وأسرته وأصدقاؤه اعتادوا على أن يعاملوا باحترام في وطنهم، اعتاد على أن حياته غالية، وبذل كل شيء في سبيل الحفاظ عليها أمر واجب. تلك التفاصيل يا سادة ليست حلماً، بل هي واقع في بلد آخر، هي تفصيل يوم قضيته في بوسطن تحديداً في مستشفىBrigham and women's hospital قبل أشهرعدة، يوم أوجع قلبي عندما رأيت المسلمين بلا إسلام، شعب يعلم معنى الرحمة وأن المريض يكفيه ما ابتلاه الله فيجب ألا يزيد من حوله فوق همه هماً. عندما حاولت المقارنة بين ذلك المستشفى وبين مستشفى حكومي لم أستطع، فالفرق شاسع بين مستشفى يحترم المريض ويخاف على حياته، وبين مستشفى أخطاؤها الطبية أصبحت عادة، فقد اعتاد المواطن في بلدي أن يتناول خبر خطأ طبي مع إفطاره كل صباح. من المحاسب يا وزارة الصحة؟ يا من أصبح شعارك «آيباد لكل خطأ طبي»، عرض مغرٍ، ولا تنسَ أن تضع النقطة على حرف الراء لتناسب الكلمه أفعالكم. بالأمس كان نقل دم فاسد، واليوم طفلة ذات الأعوام الخمسة يتم تشخيصها على أنها مصابة بمرض السرطان، وبعد ثلاث جرعات من الكيماوي وبكل استهتار يتم إبلاغ والد الطفلة «نعتذر ابنتك سليمة وكان هناك لخبطة في بالأوراق بينها وبين طفل مصاب بالسرطان»، تقصد كان هناك لخبطة في الأرواح... أرواحنا يا وطننا هي أغلى ما نملك، وإن كنت لا تستطعين المحافظة عليها أغلقي مستشفياتك إذاً. ليس خطأ أن يعترف المجتمع بعيوبه، بل الخطأ أن يتنكر بثياب الفضيلة! [email protected]