بدا أمس أن الرئيس المصري محمد مرسي يواجه منفرداً مصيراً مجهولاً. فالرجل، الذي مضى على حكمه عام واحد، ثار ضده ملايين المصريين مطالبين برحيله، فيما نظامه يتهاوى بعدما فقد أذرع حكمه، إذ انحاز الجيش إلى «الإرادة الشعبية»، كما فعلت الشرطة والقضاة، ومثّلت استقالة وزير الخارجية والمتحدثين باسم الرئاسة والحكومة اتخاذ الديبلوماسية المصرية للمنحى نفسه. وفي المقابل، فقد مرسي على ما يظهر القدرة على تقرير مصيره لوحده بعدما بات الأمر يتعلق بمصير جماعته (الإخوان المسلمين) المنقسمة - كما يقول بعض المصادر - على ذاتها بين جناحين الأول يصر على المواجهة حتى النفس الأخير، فيما الآخر يفضّل «الانحناء حتى تمر العاصفة». واجتمع الرئيس مرسي مع وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، عشية انتهاء المهلة التي كان الأخير قد حددها أول من أمس للاستجابة إلى «مطالب الشعب». وقال مصدر مقرب من دوائر صنع القرار ل «الحياة» إن الاجتماع بحث في «تسوية للأزمة الراهنة»، وأن مرسي أبدى استعداداه فيه ل «تقديم تنازلات». لكن، على ما يظهر، لم يخرج الاجتماع بنتائج حاسمة، إذ ترفض جماعة «الإخوان» في شدة تنحي مرسي عن السلطة. وقالت مصادر عسكرية لوكالة «رويترز» أمس إن القوات المسلحة المصرية ستعلّق العمل بالدستور وتحلّ البرلمان الذي يسيطر عليه الاسلاميون بموجب مسودة «خارطة طريق» سياسية ستنفذ اذا لم يتوصل الرئيس مرسي والمعارضة الليبرالية إلى اتفاق بحلول اليوم الاربعاء. وأوضحت أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ما زال يدرس التفاصيل والخطة الهادفة لحل الأزمة. وأضافوا أن من الممكن ادخال تغييرات بناء على التطورات السياسية والمشاورات. وتحدث مصدر قيادي في «الإخوان» ل «الحياة» عن «سيناريوات عدة تدور في الأروقة»، مشيراً إلى أن هناك اتجاهاً يفضّل المواجهة ضد ما يعتبرونه «انقلاباً ضد الشرعية»، وهو ما أكده المتحدث باسم حزب «الحرية والعدالة» مراد علي الذي دعا، في تصريحات نقلتها «رويترز»، أنصاره إلى التظاهر لمقاومة أي تحرك للجيش، وقال: «هذه لحظة حرجة للغاية في تاريخ مصر، نواجه لحظة مماثلة إلى حد بعيد لما حدث في العام 1952». غير أن المصدر «الإخواني» أشار إلى اتجاه آخر يقدّم فكرة طرح مرسي نفسه على الاستفتاء الشعبي ل «تجنّب مواجهات عنيفة قد تكلفنا الإضرار بمستقبل الإخوان المسلمين وإسالة الدماء». ويستند هذا الاتجاه إلى أن «الشعب سيقول كلمته في الاستفتاء، سواء باستمرار مرسي أو بالرفض، وبالتالي يخرج من المشهد بشكل أفضل يجعله يبتعد عن مصير سلفه حسني مبارك». ولفت المصدر إلى أن مرسي يقف مع الاتجاه الثاني وانه تحدث إلى قيادات عليا في الإخوان المسلمين لمحاولة إقناعهم به، مشيراً إلى أن تداولاً يجري في الأروقة حالياً وأن ضغوطاً تمارس على قيادات الجماعة للقبول بالاستفتاء الشعبي باعتباره «أسلم الحلول». لكن بدا أن التنازلات التي تبديها أطراف داخل جماعة «الإخوان» لا ترضي قوى المعارضة المصرية، إذ أكد القيادي في «جبهة الإنقاذ الوطني» عمرو حمزاوي ل «الحياة» أن «الشعب قال كلمته ولن يقبل بأقل من رحيل مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة»، معتبراً أن طرح تسويات سياسية مثل الاستفتاء الشعبي على رئاسة مرسي «فات أوانها... الشعب قال كلمته في استفتاء الميادين». أما نائب رئيس حزب النور السلفي أشرف ثابت فاعتبر أن طرح الرئيس نفسه على الاستفتاء الشعبي «خطوة مقبولة يمكن التفكير فيها، حيث إننا نحترم إرادة الشعب الذي سيقول في حينها كلمته». لكن ثابت لا يرى فارقاً كبيراً بين الاستفتاء على استمرار الرئيس أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة التي يستطيع مرسي أو قيادي آخر في «الإخوان» الترشح فيها، مشدداً على أن «هناك العديد من المبادرات لكن على المسؤولين اتخاذ خطوة للأمام لتهدئة الأمور». وكان حزب النور سجّل موقفاً لافتاً عندما دعا الرئيس محمد مرسي إلى إعلان موعد انتخابات رئاسية مبكرة مراعاة لمصالح البلاد، وتشكيل حكومة من التكنوقراط. وطالب الحزب الذي كان حليفاً لجماعة «الإخوان»، في بيان ب «إعلان موعد انتخابات رئاسية مبكرة، ونحن رغم دعمنا للشرعية إلا أنه لا بد أن ترعى الشرعية مصالح البلاد وتراعي خطورة الدماء .. وليس فقط الاستمرار في الحكم»، كما دعا إلى «تشكيل حكومة تكنوقراط محايدة تكون قادرة على حل المشاكل الحياتية للشعب المصري وتُشرف على الانتخابات البرلمانية، إضافة إلى تشكيل لجنة تبحث اقتراحات تعديل الدستور مع إصرارنا على عدم المساس بمواد الهوية على أن يكون التعديل من خلال الآليات المذكورة في الدستور الذي وافق عليه الشعب». وشدد على أن أي محاولة لتعطيل الدستور هدم لما بناه الشعب من إنجازات ينبغي على كل مؤسسات الدولة أن تحافظ عليها. من جانبها قالت «جبهة 30 يونيو» إنها فوضت القيادي بجبهة الإنقاذ محمد البرادعي ليكون «صوتاً لموجة 30 يونيو» وكلفته بالعمل على ضمان الاستجابة لمطالب الشعب والتوصل بالاشتراك مع مؤسسات الدولة لصيغة تستهدف التطبيق الكامل لخريطة الانتقال السياسي بالبلاد. وتابعت الجبهة التي أسستها حملة «تمرد»، في بيان لها، إن هذا التفويض «يأتي تعزيزاً لتفويضات سابقة أصدرتها جبهة الإنقاذ وقوى سياسية ومجتمعية أخرى للدكتور البرادعي، وحرصاً على استمرار توحيد المشهد السياسي الثوري وهو المبدأ الذي قامت على أساسه الجبهة منذ اللحظة الأولى لتأسيسها». وجددت الجبهة تأكيد حرصها وسعيها إلى استمرار «توحد المصريين وقواهم الوطنية والثورية في الميادين والشوارع وتوحدهم على رؤية سياسية واضحة لمرحلة ما بعد مرسي»، وقالت «نثق أن وحدتنا شرط النصر وضمانة استكمال الثورة». وبعد ساعات من بيان أصدرته أول من أمس القوات المسلحة أمهلت فيه الجميع يومين للاستجابة لمطالب الشعب وإلا تقوم بوضع خارطة طريق، أصدرت وزارة الداخلية بياناً شددت فيه على أنها «لم ولن تخذل الشعب المصري العظيم الذي خرجت حشوده لتعبّر عن رأيها بطريقة أبهرت العالم أجمع»، وأعلنت تضامنها الكامل مع بيان القوات المسلحة حرصاً على الأمن القومي ومصالح مصر العليا وشعبها في هذه المرحلة الفاصلة من عمر الوطن»، على حد وصف البيان. وقالت الوزارة: «إيماناً بالدور الوطني لجهاز الشرطة في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد فإن الشرطة المصرية تؤكد أنها لم ولن تخذل الشعب المصري العظيم». وجدد جهاز الشرطة التزامه التام بالمهام المنوطة بها في حماية المواطنين والمنشآت الحيوية للبلاد وضمان سلامة المتظاهرين، وأكد أن الشرطة هي «شرطة الشعب وتقف على مسافة واحدة من جميع التيارات السياسية ولا تنحاز لفصيل على حساب آخر». وبينما طالب الأزهر عقلاء الوطن وأجهزة الدولة المعنية بضرورة اتخاذ إجراءات فورية لتجريد مهربي الأسلحة، والذين قد يكونون مندسين على المشهد السلمي، من السلاح وضبطهم، شدد في بيان على «ضرورة وضع المصلحة العليا للوطن وأمنه وأمانه فوق كل اعتبار، والبعد عن كل مظاهر العنف ولو بالكلمة»، كما طالب بضرورة إبعاد الإسلام عن الصراعات السياسية «لأنه دين الله جاء رحمة للعالمين».