بعيداً عن تهافت المعارضين السوريين على المناصب ومشاحناتهم في أروقة الفنادق، وعن صراعات المقاتلين على الأرض عند تقاسمهم الغنائم، تعمل مجموعات من الشباب السوري في المانيا بهدوء في مجال الإغاثة والمساعدة لإنقاذ ما يمكن انقاذه بعد الدمار الهائل الذي ألحقه النظام بالبلاد على المستويين البشري والمادي. في بدايات الثورة اقتصر نشاط الشباب السوري في المانيا على الدعم السياسي بإقامة الندوات والتظاهرات واستمرّ ذلك حتى نهاية 2011. ثم فرض تدهور الوضع الإنساني للسوريين في الداخل والخارج نفسه على أجندة النشاط الثوري ما دفع بالشباب الى التركيز على الجانب الإغاثي بالتوازي مع العمل السياسي والإعلامي. ومع نهاية 2012 طغى النشاط الإغاثي بشكل ملحوظ على نظيره السياسي. في نيسان (ابريل) 2011 كان عدد الشباب الناشطين في المدينة لا يتعدّى أصابع اليد الواحدة. يجتمعون في مناخ تشوبه الحيطة والحذر، فالرعب الجاثم على الصدور أثقل من أن يزاح بهذه السرعة. ورويداً رويداً اصبح بالإمكان تشكيل مجموعات عمل أشبه بالتنسيقيات في الداخل. بيد ان النيّة الحسنة والحماسة الزائدة لم تسعفا الشباب بدايةً في نشاطاتهم الداعمة للثورة اذ بدت تحرّكاتهم اقرب الى الفوضى منها الى العمل المنتج والمنظّم. ولأن المانيا دولة مؤسسات، جرى العمل على انشاء جمعيّات رسميّة تتكفّل بتنظيم المشاريع الداعمة للثورة بشكل قانوني وتحت رقابة الدولة. ومن تلك الجمعيات مثلاً الجمعية السورية - الألمانية لدعم الحريات وحقوق الانسان وهي معروفة في غرب المانيا، أسّسها ناشطون المان وسوريون منتصف 2011 ومعظم أعضائها الحاليّين من الشباب السوري المقيم في المانيا. وما كانت مثل هذه الجمعيّات لتولد لولا الفراغ الذي تركته جمعيات الإغاثة العالمية المعروفة. وفي هذا السّياق يقول رئيس الجمعية عبدالحميد الجاسم: «بذلنا جهدنا قدر المستطاع في التركيز على إيصال المساعدات الى الداخل لأن المنظمات الدوليّة الإغاثية كالصليب الأحمر تقاعست عن الدعم بحجة فشل مشروع الممرّات الآمنة لأسباب سياسيّة. وبلغ مجموع ما قدّمناه خلال السنتين الماضيتين حوالى 5 ملايين يورو». والجدير بالذكر أن مصدر غالبيّة المساعدات التي تصل من المانيا الى الداخل هي تبرعات من الجالية السورية المقيمة فيها. ويضيق أحد الشباب ذرعاً بالحال التي وصل اليها السوريّون فيقول بلوعة وعتب: «وقفنا الى جانب الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين في مصائبهم وكنّا نستجدي التبرّعات لهم في الشوارع. اليوم تُركنا لنواجه مصيرنا وحدنا». وبحسب الناشطين في العمل الإغاثي في الجمعية الألمانية - السورية يصل قسم من التبرعات بشكل نقدي الى ضحايا قوات النظام بالتعاون مع المكاتب الإغاثية لمجالس قيادة الثورة في الداخل، فيما القسم الأكبر يسخُّر لشراء المساعدات العينية كإرسال مواد وأجهزة طبيّة الى المشافي الميدانية واستقدام الجرحى للعلاج وبناء مراكز للعلاج الفيزيائي في اربد (الأردن) و الريحانية (تركيا). ومن المشاريع الطبيّة المهمّة التي انجزتها الجمعية أخيراً إرسال 9 سيّارت اسعاف مجهّزة الى المناطق المحرّرة في ادلب وريف حلب ودير الزور وحمص ليتبرّع طلاّب سوريون بقيادتها من المانيا الى المناطق الشماليّة المحرّرة وتسليمها هناك الى الثوار. واستطاعت الجمعيّة بعد التواصل مع جهات المانيّة مانحة الحصول على التمويل لمدّة ستة أشهر بمبلغ قارب ربع مليون يورو لدعم قسم العنايّة المشدّدة بالأدوية والضمادات في أحد مشافي المناطق الشماليّة المحرّرة. وإضافة الى الدعم الطبّي يعمل الشباب السوري في المانيا قدر المستطاع على سد حاجات النازحين في الداخل والخارج عبر إيصال المساعدات كالملابس الشتوية وأكياس النوم وسلاّت غذائية وألعاب وهدايا العيد للأطفال. وليس من المبالغة القول ان التنظيمات الشبابيّة في الداخل والخارج أثبتت جدارتها خلال الثورة على عكس تنظيمات المعارضة السّياسية المترهّلة بمختلف أطيافها. الدليل على ذلك الشكوى المتزايدة من الطريقة الزبائنيّة في التعامل في قضيّة حساسّة كالعمل الإغاثي، إذ يبدو أنّ عدوى الفساد المتغلغل في النظام انتقلت الى بعض المعارضين السياسيين الأمر الذي دفع بشرائح شعبيّة واسعة الى الانفضاض عنهم وسحب الثقة منهم. بهذا المعنى ينبغي مستقبلاً إعطاء فرصة اكبر للشباب ممّن لم تلوّثه آفات العمل السيّاسي. ويأسف كثيرون من الشباب السوري في المانيا لتراجع نشاطهم السيّاسي والإعلامي، إلا أنّهم يعون تماماَ أهميّة العمل الإغاثي في المرحلة الحاليّة واولويّته على ما عداه . ينقمون بشدّة على المجتمع الدّولي ومؤسساته الإغاثيّة المتخاذلة في تأدية واجبها في سوريّة. وينتظرون اليوم الذي ستتحرر فيه بلادهم ليعود كلّ منهم الى المكتب وطاولة الدراسة. هول الكارثة الإنسانيّة حالياً يدفعهم الى تحمّل المسؤولية في الإغاثة والمساعدة بينما يصعب عليهم تصوّر معاناة النازحين في الداخل والخارج فتدمع عيونهم لدى سماعهم صديقهم العائد لتوّه من مخيّم الزعتري يقول: «من سمع ليس كمن رأى ومن رأى لتمنّى الموت قبل أن يرى».