فجر الكاتب الإسلامي محمد الهرفي قنابله في كل اتجاه، إذ لم يسلم من سهام نقده العلماء، وكذلك زملاء مهنته «الكتاب الصحافيون»، وكذلك السلطة الرابعة التي ينتمي إليها، إذ رأى أن الإسلام يظهر في الإعلام المرئي نهاراً عبر عدد من العلماء وما سواه ليلاً، متحاشياً لفظة «الفسق». واعتبر الهرفي في حوار مع «الحياة»، أن الكاتب هو الذي يصنع شياطينه، سواء في رمضان أو غيره، وحول إجازة بعض الكتاب في رمضان، قال: «قد يكون التفرغ للعبادة أحد الأسباب وإن لم يكن من أهمها كما أعتقد»، وأفاد بأن بعض الكتاب أكثر شيطنة من شياطينهم، ملتمساً العذر ل«الشياطين»، إذ يراها في حين ظالمة، وفي أحيان أخرى «مظلومة». وحمل المجتمع بأكمله مسؤولية تخمة المسلسلات والبرامج في رمضان بوجه الخصوص، وأقر بأن أشهر البرامج الرمضانية كان وراء انتشارها التيار المتدين، متذمراً من «بعض العلماء نراهم يتسابقون على الإعلام في رمضان»، واصفاً إياه ب «الممجوج»... في ما يأتي نص الحوار: أي الأوقات الرمضانية تنفتح نفسك فيها للكتابة؟ - رمضان كله خير وبركة، لكنني أكتب غالباً بعد صلاة التراويح وقبيل صلاة الظهر، فهذه أفضل الأوقات بالنسبة لي. يأخذ بعض الكتاب إجازة في رمضان، هل هي ثقيلة إلى هذه الدرجة، أم أنه نوع من التفرغ للعبادة؟ - أعرف أن بعض الزملاء يتوقفون عن الكتابة في رمضان أو في أشهر الصيف، لأن بعضهم يسافر خارج المملكة مع أسرته، ويفضل أن يتفرغ لهم ويبتعد عن هموم الكتابة، التي تحتاج إلى متابعة مستمرة. كما أن موضوع التفرغ للعبادة قد يكون أحد الأسباب وإن لم يكن من أهمها كما أعتقد. هل تلمس أن شياطين الكُتَّاب تصفد في رمضان، أم أنها تزداد شيطنة؟ - الكاتب هو الذي يصنع شياطينه، فإما أن يجعلها قوية طوال العام، واما أن يعمل على إضعافها في رمضان وسواه، ولكن بعض الكتاب أكثر شيطنة من شياطينهم، فهم يكسرون قيودها لتسرح وتمرح معهم دائماً. فالمسألة كما أراها نسبية، فأحياناً تكون الشياطين ظالمة، وتارة أخرى تكون مظلومة. يسأل البعض عن تعايشك مع شتى المذاهب الإسلامية في الأحساء، لماذا لا يحضر هذا بشكل قوي في كتاباتك؟ - صحيح أنا أتعايش مع كل أصحاب المذاهب، ولي علاقات جيدة مع المجتمع، وهذا النوع يظهر في كتاباتي أحياناً وبحسب المناسبات، فأنا أتحدث عن أهمية التعايش بين السنة والشيعة، وأثنيت على الدورة التي أقامتها وزارة الشؤون الإسلامية في الأحساء، والمتعلقة بفقه المذاهب الأربعة الموجودة فعلاً في الأحساء، وهكذا أفعل كلما وجدت فرصة مناسبة لذلك. طالعتنا الأخبار قبل أيام عن تعايش رمضاني في العراق بين المذاهب، إلى أي مدى يمكن استثمار رمضان مع المختلف ايديولوجياً ومذهبياً؟ - رمضان شهر مبارك والتعايش فيه بين جميع مذاهب المسلمين أمر في غاية الأهمية. والإخوة في العراق كانوا متعايشين وفي أحسن حال، وكانوا يتزاوجون «سنة وشيعة» ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد الاحتلال الأميركي للعراق، بهدف التفرقة بين المواطنين ليسهل احتواؤهم جميعاً. ويستطيع العقلاء من كل المذاهب أن يجعلوا من هذا الشهر، منطلقاً لمزيد من التلاحم بينهم، وكذلك مع المختلفين فكرياً، فالاختلاف وارد بين الناس، ويجب أن يكون مقبولاً في الإطار العام. وإذا اقتنع الناس بأهمية الترابط بينهم باعتبارهم يعيشون في مجتمع واحد فأعتقد أن رمضان سيكون بداية طيبة لمثل هذا التفكير بما له من روحانية وقدسية عند الجميع. التخمة الإعلامية (مسلسلات، كوميديا، مسابقات..) في رمضان.. من المتسبب فيها؟ وإلى أي مدى أسهمت في ترهل المجتمع؟ - المجتمع هو المسؤول عن هذه التخمة لأنه هو الذي يدعمها ويقف معها، وبعض التجار - وهم جزء من المجتمع- هم الذين يدفعون من أجل استمرارها.. وبطبيعة الحال التخمة الإعلامية عملت على ترهل معظم الناس فكرياً وجسدياً، وهذا بعض مساوئ الإعلام الرمضاني. البعض يقول إن أشهر البرامج الرمضانية كان وراء انتشارها التيار المتدين، إذ يقوم بتسويقها داخل المساجد وهو يظن أنه يحاربها.. ما رأيك؟ - هذا صحيح إلى حد كبير، فالقاعدة أن كل ممنوع مرغوب، فالكاتب إذا منع وتحدث عنه البعض فهذا أفضل وسيلة للانتشار مهما كان ضعيفاً، ولذا فإن بعض المؤلفين يتمنى أن يمنع كتابه ثم يهاجم لكي ينتشر، ولهذا فأحياناً نجد أن بعض من ينتسب للتدين يسهم فعلاً في الدعاية لبعض والمسلسلات البرامج، لأنه يهاجمها فيدفع البعض لمشاهدتها ليعرف سبب منعها وهكذا يبدأ انتشار هذا البرنامج أو ذاك. والحقيقة أن هذه المسألة تحتاج إلى دراسة متأنية، لأن الصمت أحياناً لا يجوز، والحديث سيسهم في انتشار البرامج أو الشيء الذي سننتقده فكيف يتصرف الإنسان؟! هذه المسألة تحتاج إلى إخراج ذكي والذكاء ينقص الكثيرين. الطقوس الرمضانية الاجتماعية.. بدأت تتوارى في السعودية، من المتسبب في ذلك؟ وهل تشعر أن البلدان العربية حولنا متمسكة بها أكثر؟ - أتفق معك على أن بعض العادات الرمضانية بدأت تختفي بسبب توسع المدن وعدم معرفة أهالي الحي بعضهم ببعض بل إن بعض الجيران -أحياناً- لا يعرف بعضهم بعضاً. هذه الحالة تسهم كثيراً في اختفاء عادات جميلة كانت موجودة في رمضان. وعلى سبيل المثال كان الناس يتبادلون الأطعمة الرمضانية وهذه أيضاً اختفت.. أشياء كثيرة لم نعد نراها، أما الدول العربية مثل مصر والمغرب وغيرهما فأعتقد أن العادات الرمضانية تبرز عندهم أكثر مما هي موجودة في مجتمعنا. لا صوت يعلو فوق صوت العلماء في رمضان.. لماذا يحضرون في الإعلام المرئي نهار رمضان ويختفون ليلاً من وجهة نظرك؟ - مجموعة من العلماء نراهم يتسابقون على الإعلام في رمضان، وأحياناً بشكل ممجوج - كما أراه- والسبب أن بعض القنوات الفضائية (تسلم في نهار رمضان) ولكي تبرهن على ذلك لابد من استقطاب أكبر عدد من المشايخ في نهار رمضان، حيث يكون الناس صائمين، والمشايخ سعداء بهذا الاستقطاب لأسباب معروفة. أما في الليل فلا مكان لهم ولا يمكن لأي قناة إلا «الإسلامية» منها أن تسمح لهم بمزاحمة البرامج التي تستقطب المشاهدين وتدر أموالاً على القنوات . ف «الإسلام» نهاراً وسواه ليلاً، وهذه هي المعادلة التي نراها في كل رمضان. ما هو انطباعك عن كثرة برامج الإفتاء التلفزيوني، حتى بالغ البعض متذمراً بقوله «لا يمكن أن ينام الناس إلا بفتوى» كدلالة على تضييق العيش عليهم؟ - للأسف ان الإفتاء أصبح سلعة رخيصة، ومع أن الجميع يردد قول الرسول: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» إلا أن هذا القول لم يؤثر على أحد، فالكل يجد نفسه قادراً على الإفتاء وفي كل المواضيع: الطبية، الاقتصادية، الجغرافية وسواها، وهذا خلل واضح في الفتوى إذ أصبحت بتصرف البعض لا قيمة لها. صحيح أن البعض بدأ يتدخل في اخص خصوصيات الناس التي لا تحتاج إلى فتوى من حيث الأساس فيقول فيها برأيه وأحياناً يأتي بالمضحكات ولهذا لابد أن تتدخل دائرة الإفتاء للحد من ظاهرة وباء الفتاوى من غير المتخصصين.