تكشف صورة التقطت للرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة مجموعة الثماني في إرلندا مدى عمق الانقسام بين البلدين حول سورية، إذ علا الوجوم وجهيهما. وفيما عض الأول على شفتيه، أطرق الثاني رأسه. تبرز الصورة التي حفلت بها مواقع الإنترنت حجم التوتر المتنامي في العلاقات بين الخصمين السابقين إبان الحرب الباردة، حيث يجدان صعوبة في الاتفاق على الكثير من القضايا مثل سورية والمتعاقد السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركي إدوارد سنودين الذي يرفض بوتين ترحيله. وتسعى واشنطن وموسكو منذ أيار (مايو) الماضي للإعداد لمؤتمر سلام دولي عرف باسم «جنيف - 2». لكن، سرعان ما تضاءلت الآمال في أن يُعقد عما قريب أو أن يعقد من الأساس. في البداية أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف أنهما سيسعيان لعقد المؤتمر الرامي لجمع المعارضة السورية وممثلي حكومة الرئيس بشار الأسد على طاولة المفاوضات في حلول نهاية أيار. لكن الموعد تأجل أكثر من مرة. إذ أرجئ في البداية إلى حزيران (يونيو) الجاري ثم إلى تموز (يوليو) المقبل. وفي بداية الأسبوع الماضي استبعد االمبعوث الدولي - العربي الأخضر الإبراهيمي بعدما أجرى محادثات مع مسؤولين كبار من روسياوالولاياتالمتحدة في جنيف عقد المؤتمر قبل آب (أغسطس) المقبل. وقال ديبلوماسيون في الأممالمتحدة في نيويورك إنه لم يتضح بعد ما إذا كانت المحادثات ستعقد أصلاً. وقال ديبلوماسي غربي: «لا تبدو الأحوال مطمئنة». وكان هدف المؤتمر إحياء الخطة التي جرى تبنيها في جنيف العام الماضي حين اتفقت واشنطن وموسكو على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية في سورية من دون تحديد ما إذا كان الأسد سيشارك في العملية. وتتفق الولاياتالمتحدة مع المعارضة على ضرورة استبعاد عائلة الأسد من أي حكومة انتقالية، لكن روسيا ترى أنه ينبغي ألا تُفرض شروط مسبقة. وأعلنت الأممالمتحدة يوم الثلثاء الماضي أن كيري ولافروف سيعاودان مناقشة الملف السوري الأسبوع الجاري على هامش مؤتمر رابطة دول جنوب شرقي آسيا في بروناي. ويعرقل انعقاد مؤتمر «جنيف - 2» المناقشات الخاصة باختيار ممثلي حكومة الأسد والمعارضة السورية. إذ لم يتم الاتفاق بعد على أسماء المفاوضين المحتملين، إضافة إلى قضية مشاركة إيران الحليف الرئيس للأسد وفق رغبة روسيا إلا أن الحكومات الغربية لا تحبذ ذلك. وفي الآونة الأخيرة حققت قوات الأسد عدداً من الانتصارات العسكرية واستعادت السيطرة على بلدتين قرب الحدود اللبنانية، في حين تشكو المعارضة من نقص الأسلحة والذخيرة. ويقول ديبلوماسيون إن الحكومة والمعارضة على حد سواء لا ترغبان في تقديم تنازلات أو بذل مساعٍ ديبلوماسية في مؤتمر «جنيف - 2». ويرجع ذلك إلى اعتقاد الأسد أنه قادر على حسم المعركة عسكرياً، في حين لا تريد المعارضة دخول المفاوضات وهي في موقف ضعيف. وصرّح وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي أن السلطات مستعدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة تمثيل موسعة. لكنه أوضح أنها لا تنوي التخلي عن السلطة. ويقول بعض الديبلوماسيين إن تضاؤل الآمال في مؤتمر سلام جاد يبرز عجز الأممالمتحدة والإبراهيمي الذي يهدد منذ أشهر بالتخلي عن مهمته مثل سلفه كوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة الذي نفض يديه من المهمة العام الماضي نتيجة ما أصابه من إحباط لعجز مجلس الأمن عن التحرك على صعيد الأزمة السورية بسبب الخلاف بين روسيا مورد السلاح الرئيس للأسد والولاياتالمتحدة الداعمة للمعارضة التي أعلنت في الآونة الأخيرة عزمها البدء في إمدادها بالسلاح. واستخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) لمنع صدور ثلاثة قرارات يساندها الغرب ودول الخليج تدين حكومة الأسد. وتوقع ريتشارد جوان من جامعة نيويورك أن يضاعف انهيار خطة كيري لعقد مؤتمر السلام من الضغوط على أوباما لإرسال أسلحة أثقل وبكميات أكبر للمعارضة السورية. وقال: «إذا فشل مقترح (مؤتمر) جنيف فسيكون ثمة ضغوط على الولاياتالمتحدة للذهاب أبعد من عرضها الحالي بتقديم أسلحة خفيفة للمعارضة لا سيما إذا حقق الأسد مزيداً من الانتصارات». وتابع: «مراهنة كيري على جنيف قد تأتي بنتائج عكسية إذ تظهر إخفاق الديبلوماسية لكن، ربما لا ينزعج كيري لذلك إذ سبق له أن أيد شن غارات جوية.» جاء تحرك واشنطن الحذر للبدء بتسليح المعارضة السورية المعتدلة لا تسليح إسلاميين متشددين بعدما أعلنت الإدارة الأميركية أن قوات الأسد تجاوزت «خطاً أحمر» باستخدامها أسلحة كيماوية. وتنفي الحكومة السورية الاتهامات وتتهم المعارضة باستخدام أسلحه كيماوية. وقال ديبلوماسيون في الأممالمتحدة ل «رويترز» إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يخشى كثيراً احتمال أن يذكره بأنه الرجل الذي فشل في سورية لدرجة أنه يفكر في التدخل شخصياً لمحاولة التوصل إلى اتفاق إذا تخلى الإبراهيمي عن مهمته. وفي الأسبوع الماضي قالت سوزان رايس سفيرة الولاياتالمتحدة التي تشغل قريباً منصب مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض، إن فشل المجلس في تبني تحرك حاسم تجاه سورية «سقطة أخلاقية وخطأ استراتيجي». وأردفت: «أعتقد أن إخفاق مجلس الأمن المتكرر في تبني موقف موحد إزاء قضية سورية وصمة للمنظمة وأمر سأندم عليه إلى الأبد على رغم أنني لا أعتقد أنه نتاج تصرفات الولاياتالمتحدة». واتفق السفير البريطاني مارك ليال غرانت مع رايس في لهجتها اللاذعة الموجهة على ما يبدو إلى روسيا والصين، كما دافع عن الأممالمتحدة في مواجهة تلميحات بأنها تتحمل مسؤولية عجز مجلس الأمن عن التحرك. وقال: «يتحدثون عن وصمة للأمم المتحدة، لكن اللوم لا يقع على المنظمة»، مضيفاً أن الدول الأعضاء هي التي تتحمل المسؤولية. وتابع: «بذلنا جهوداً مضنية على مدار العامين الماضيين من أجل منح الأممالمتحدة شيئاً من الثقل في الأزمة مع تصاعدها. من المؤسف أن روسيا والصين استخدمتا حق النقض لمنع صدور ثلاثة قرارات. ربما كانت التطورات على الأرض اتخذت منحى مختلفاً كلياً إذا صدرت القرارات الثلاثة». وقال رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس إنه من المرجح أن تستمر الحرب الأهلية في سورية لسنوات، مضيفاً: «اتضح لكثيرين أن إطاحة نظام الأسد أصعب ويستغرق وقتاً أطول من المتوقع. حتى في حالة إطاحة النظام فسيعقب ذلك جولة طويلة من المعارك بين قوات المعارضة التي تختلف على كل شيء باستثناء معارضتها النظام».