عندما دفع مدرب ليفربول بريندان رودجرز 16 مليون جنيه إلى ميلان الصيف الماضي لضم المهاجم الإيطالي ماريو بالوتيلي، فإنه اعتبر أنه حصل على «لقطة»، على رغم علمه بالتحذيرات المرفقة مع هذه الصفقة، إلا أن تعليقه كان مقتضباً: «بهذا السعر بإمكاننا تحمل عواقب مثل هذه المغامرة». الواقع أن رودجرز يدرك أنه حصل على لاعب ذي موهبة فذة، تبلغ قيمتها في الأحوال العادية 50 مليون جنيه، لأن في هذه الأيام تدفع الأندية مبالغ خيالية في مهاجمين مغمورين وغير مجربين، مثلما دفع بوروسيا دورتموند لضم الإيطالي تشيرو إيموبيلي (22 مليون يورو)، وما دفعه ساوثهامبتون لضم شون لونغ (12 مليون جنيه)، لكن رودجرز فضل التغاضي عن التفكير بالعواقب الوخيمة والتحذيرات، أو لماذا فضل ميلان، الذي يعاني مادياً، أن يخسر في هذه الصفقة، بعدما اشترى بالوتيلي من مانشستر سيتي ب19 مليون جنيه، أو لماذا باع السيتي هذه الموهبة الفذة بخسارة أيضاً عندما اشتراه ب22.5 مليون جنيه من انتر ميلان، فظلت في مخيلته أن ما فعله مع الهداف الرهيب لويس سواريز، الذي لا يختلف كثيراً عن بالوتيلي في عقليته ومشكلاته، سيكرره مع النجم الإيطالي. الفارق حتى الآن كبير جداً بين النجمين الأوروغواني والإيطالي، فالأول كان يثير المشكلات ويجذب الأنظار السلبية ويعطي الصحافة مادة دسمة لكن لمشكلاته غير الكروية، منها العنصرية والهمجية، لكنه يلهب أحاسيس المشجعين بأهداف لا تنسى، لكن مع بالوتيلي فإن رودجرز يواجه مشكلتين، سلوكية وكروية، فهو داخل الملعب لا يعطي أي انطباع بأنه مهتم في القتال مع زملائه لهدف سام، ولا يحاول أن يستميت في تحقيق النتائج مثلما كان يفعل سلفه سواريز، ففي مبارياته الثماني حتى الآن مع ليفربول لم يسجل سوى هدف واحد جاء أمام المغمور لوغوروديتس البلغاري في دوري الأبطال، بل أضاع العديد من الفرص المحققة التي حرمت فريقه من عدد من النقاط. مشكلة بالوتيلي أعمق كثيراً مما يدركها البعض، ومنهم خبراء كرة القدم، فهو لعب تحت إدارة محنكين أمثال جوزيه مورينيو (الانتر)، وروبرتو مانشيني (مانشستر سيتي)، وماسيمو أليغري وكلارينس سيدورف (ميلان)، ولم ينجحوا في فك لغزه، فهو من دون شك يملك موهبة خرافية، لكنها لا توظف بصورة صحيحة، بل هناك موهبة أخرى يملكها، وهي ما تعشقها الصحف، وهي شخصيته المثيرة للجدل وسلوكه الصبياني، فعندما كان في ميلان أمضى هناك 568 يوماً جذب خلالها 788 عنواناً مثيراً، كثير منها لا يتعلق بما فعله في أرض الملعب بل خارجه، قبل أن يلخص أحد الصحافيين الطليان موهبة الظاهرة بالوتيلي بالقول: «إنه موهبة فريدة لن تتكرر، فهو يسعد كل الجماهير والإداريين والمسؤولين عندما ينضم إلى الفريق، ويصبحوا أكثر سعادة عندما يرحل». وعلى رغم ذلك سيراهن رودجرز على أنه حصل على لاعب أكثر نضجاً مما كان عليه، ويدرك أن مغامرته لم تنته بعد، وأنه في أية لحظة يمكن لهذه الموهبة أن تنفجر، إما في وجه المنافسين أو في وجهه، فهو قبل الانتهاء من قراءة هذه المقالة، قد يكون سجل ثلاثية في مرمى الريال في دوري الأبطال وأفسد كل النظريات المشككة، أو يكون طرد في الدقائق الأولى وعزز مخاوف المشككين. لكن دائماً سيبقى الكثيرون يتساءلون لماذا اعتبره رئيس الميلان سيلفو بيرلسكوني «تفاحة فاسدة»؟ أو لماذا اعتبر النجم الإيطالي السابق كريستيان فييري «بيع بالوتيلي أفضل صفقة في تاريخ الميلان»؟