يأمل حمدين صباحي مؤسس «التيار الشعبي» ان تؤدي احتجاجات 30 حزيران (يونيو) الى وقف الاستبداد «الاخواني» وان تفتح الباب لانتخابات رئاسية مبكرة. ويعتبر ان الرئيس محمد مرسي لم يعد يمثل الثورة بل تحول عائقاً امام استكمالها لأنه فضل مصالح جماعته على مصالح المجتمع. ويتحدث صباحي عن علاقته بالجيش ولقائه مع رئيس الاركان السابق الفريق سامي عنان. وهنا نص الحلقة الثالثة: هل اقترعتَ في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية؟ - لا، لو ذهبتُ إلى صناديق الاقتراع لمنحت صوتي لمرسي. لذلك لم أذهب للتصويت، وقلت لأنصاري إنهم أحرار، ما أدى إلى تفتيت الكتلة التي صوّتت لمصلحتي. كل الأصدقاء المقرّبين كانوا ضد مرسي، أنا أكثرهم حياداً تجاهه، ولست نادماً، ولا أعيب على أحد أعطى صوته لمرسي، ويجب ألا نحاكم الناس على مواقف كان السياق الموضوعي يبررها في تلك اللحظة. في حال استلزم الأمر لإزاحة مرسي التعاون مع أحمد شفيق، ما موقفك؟ - أحمد شفيق حصل على حجم كبير من الأصوات في جولة الإعادة، بسبب الكراهية ل «الإخوان»، والخوف منهم، وعدم الثقة بمشروعهم. كما أن هناك من اقترع لمرسي ليس ثقة بمشروع «الإخوان» وإنما كرهاً لإعادة إنتاج النظام السابق بأحد رموزه في أول انتخابات بعد إسقاط رأسه. فإذا كانت كل الكتلة التصويتية لشفيق نحن نحتاج وجودهم معنا، وحريصون على الاقتراب منهم، لأن غالبيتهم من الطبقة الوسطى المصرية التي مصالحها مع الثورة أو من الطبقات الشعبية، كما أرى أن الذين عملوا في جهاز الدولة، بصرف النظر عما إذا كانوا مدانين أو غير ذلك، وكانوا وجوهاً بارزة مع مبارك، الاختيار الأفضل لهم أن يتنحوا عن المشهد السياسي. لم يعد ملائماً لثورة تقاتل من أجل أن تكتمل، التعاون مع عناصر كانت جزءاً من نظام مبارك... هذا غير جائز وغير لائق وغير منتج. هؤلاء بدلاً من أن يشكلوا حالة من الحنين لاستعادة النظام القديم، أدعوهم إلى أن يتركوا أنصارهم للاختيار بين الوقوف مع «الإخوان» أو مع الثورة، لأن البلد بات منقسماً الآن بين ثلاثة معسكرات: الثورة و «الإخوان» والنظام القديم، لجهة ترتيب الحجم، بمعنى أن معسكر الثورة هو الأوسع، يليه «الإخوان» وحلفاؤهم، ثم معسكر النظام القديم، وجماهيره ضحايا قياداته المرتبطة بالنظام، أما الجماهير فليست مرتبطة به ولم تستفد منه. ومن الأشياء التي لم تفعلها جماعة «الإخوان» عمداً، ونحتاجه، تشريع للعدالة الانتقالية، يمكّن من محاكمات في قضايا الدم والقصاص والمال العام، ومن ارتكب جرائم يُدان. يجب أن نغلق هذا الملف، وأنا ضد مصطلح «الفلول» الذي يطارد أي شخص الآن، ويستخدم استخداماً مسيئاً للجمهور. أنتَ لا تستخدم مصطلح «الفلول»؟ - لا، استخدم مصطلح النظام القديم الذي أعتبره جماعة مصالح في الثروة والسلطة، مسؤولة سياسياً عما أحاق بمصر من خراب على كل المستويات، ثمنه عزلهم جماهيرياً. كل الأسماء البارزة في النظام، وبعضها مسؤول جنائياً عن دم الشهداء وفق مشاركته في وقائع القتل، أو مسؤول عن تجريف الثروة المصرية ونهبها، حتى غير المسؤول جنائياً، مسؤول سياسياً كونه جزءاً من نظام أودى بنا إلى هذه الأوضاع. هذه الطبقة عدد أفرادها ضئيل جداً، «الحزب الوطني» كان لديه حوالى 3 ملايين عضو، وفي حال أجرينا محاكمات عادلة في حق نخبة الثروة والسلطة في عصر مبارك، فلن تطاول سوى ثلاثة آلاف، أو حتى ثلاثين ألفاً. هل تدعو إلى «اجتثاث»، مثل اجتثاث نظام «البعث» العراقي؟ - أنا ضد هذا الاجتثاث، لأن بعض من دخلوا «الحزب الوطني» كان هدفهم تسهيل الحصول على منافع حياتية، أو حتى اتقاء شر المستبد، فهل أعامل هؤلاء مثل مَنْ نهب ثروة البلد، وأفسَدَها سياسياً واقتصادياً؟ لا. هل التقيتَ المشير حسين طنطاوي خلال فترة حكم المجلس العسكري؟ - لا ولا مرة؟ - حضرتُ أحد الاجتماعات. ألم يفكر المجلس العسكري بفتح قنوات اتصال مع صباحي، اتقاءً لحكم مرسي؟ - لم يفعل ذلك، كانت هناك مشكلة في خطابي، أن جنرالات المجلس العسكري كانوا يسعون إلى الاطمئنان على أنفسهم، فيما أتحدث عن الخروج العادل، وليس الآمن للعسكر. فالجنرالات يتحملون مسؤولية سياسية عن سقوط شهداء خلال فترة حكمهم، ويجب حصول محاكمات، وإذا ثبتت مسؤوليتهم الجنائية، تجب محاسبتهم. هذا الحديث لا يمكن أي عسكري أن يستريح له، ولم يقله محمد مرسي، وهو ما له علاقة بالتفاهمات، وأنا أعتقد بأنه ربما لم يسع المجلس العسكري إلى تفاهمات بسبب هذا الموقف. ألم يفاتحك أحد في شأن تولي رئاسة الحكومة؟ - فوتحت ذات مرة، خلال فترة تشكيل حكومة، بعد استقالة الدكتور عصام شرف. كان لديهم (العسكر) طرحٌ فحواه أن أشغَلَ حقيبة نائب لرئيس وزراء، مكلف ملفات ولي صلاحيات، ومن قدّم لي العرض كان أحد أصدقائي وهو العقيد محمد بدر. كان ضابطاً سابقاً في الجيش، لكنني رفضت، وهو قال لي إن (رئيس الأركان السابق) سامي عنان سيتصل بي هاتفياً، لكنني نقلت له رفضي. وخلال تلك الفترة الملتهبة عقدنا جلسة حضرها (المرشحان الرئاسيان السابقان) عبدالمنعم أبو الفتوح ومحمد سليم العوا، في أحد مراكز البحوث في ضاحية مدينة نصر (شرق القاهرة)، و(أستاذ العلوم السياسية) معتز عبدالفتاح. كانوا (العسكر) يسعون إلى تشكيل وزارة جديدة، وجلسنا لنرى كيف يكون لدينا اقتراح، لأن المجلس العسكري يريد ترشيحات، سيوافق عليها. جلسنا وتداولنا، ومَنْ كان يدير تلك الاتصالات مع المجلس هو سليم العوا، وانتهينا إلى ترشيح اسمين: حمدين وعبدالمنعم ليختاروا (العسكر) أحدهما. ونقل العوا لهم هذا الاتفاق لكنه لم يتحقق على أرض الواقع. لم يحدث مرة أن جلسنا مع المجلس العسكري، وهذه نقطة كانت مفقودة، ولم يكن صحيحاً إجراء الحوار عبر وساطة محمد سليم العوا. بعدها شكل المجلس العسكري ما سُمِّي «المجلس الاستشاري»، ورفضتُ عضويته. آنذاك التقيت الفريق سامي عنان (رئيس اركان الجيش) في جلسة مطوّلة، في مقر وزارة الدفاع في ضاحية كوبري القبة (شرق القاهرة)، حضرها (مساعد وزير الدفاع الحالي) اللواء محمد العصار، وتزامن ذلك مع لقائي مجموعة من الشباب في ميدان التحرير، في حضور الدكتور سيف عبدالفتاح والدكتورة هبة رؤوف عزت، وكانت لديهم حزمة مطالب. جلسوا معي، وحمّلوني أياها لنقلها الى المجلس العسكري، فقبلت لقاء عنان ونقل مطالب الشباب، لتخفيف وطأة رفضي عضوية المجلس الاستشاري. ما الذي حصل في هذا الاجتماع؟ - نقلت ما كنت أقوله آنذاك، كانت لدينا انتقادات للمسار برمّته، ووجهة نظر إزاء ترتيبات المرحلة الانتقالية، وطريقة الإدارة ودور الشباب، والقصاص، وانتقادات لمعالجتهم التظاهرات التي خرجت في الشارع، وكان الرجل (عنان) يستمع بطريقة جيدة. هل كان لسامي عنان دور كبير في المرحلة الانتقالية، في رأيك؟ - أعتقد ذلك، ويرجّحه كل الوقائع التي جرت في مصر. هو رئيس أركان الجيش، وطبيعي ألاّ يكون المشير طنطاوي منغمساً في كل التفاصيل. سامي عنان كان حاضراً في كل التفاعلات التي حصلت، وهو مخزن أسرار هذه المرحلة. وكيف انتهى الاجتماع معه؟ - استمعنا إلى بعضنا بعضاً بهدوء. كان لديه إصرار على أن أدخل المجلس الاستشاري وعدّد لي حيثيات، وأنا كنت مصرّاً على الرفض، لأن ليست للمجلس صلاحيات، ومن سيشغل عضويته سيتحمّل أمام الشعب المصري عبء أي إخفاق، بينما المجلس الاستشاري لا يملك أي سلطة أو صلاحية. فهذا حديث غير متزن، تريد شخصيات ليست لديها القدرة على اتخاذ القرار، ثم تصبح واجهة عندما تحدث إخفاقات في الشارع. لذلك انتهينا مختلفَيْن، واقترحت عليه رئيس حزب الكرامة محمد سامي، أو (القيادي العمالي) كمال أبو عيطة. متى دخلتَ السجن للمرة الأولى؟ - في العام 1979. والسبب؟ - بسبب لا يرتبط بواقعة وإنما بموقف. عندما يريد النظام التخلص من معارضيه، لديه تهمة جاهزة اسمها قلب نظام الحكم. قُبِض عليَّ بتهمة «إقامة تنظيم ناصري لقلب نظام الحكم»، علماً انه لم تكن لدينا آنذاك تنظيمات بمعناها الحقيقي. كان السادات يحكم ويبدو مستقراً في حكمه، ونعارضه بسبب كامب ديفيد وسياسات الانفتاح الاقتصادي. وهذه التجربة كانت مهمة لأنني أُودِعت في سجن القلعة بشكل انفرادي، وأُتيحَ لي بعدما حوّله (السجن) إلى مزار سياحي، أن أزوره مع أبنائي. ما المدة التي قضيتَها في السجن؟ - فترة قصيرة، نحو شهر. هل كان هناك تعذيب؟ - يمكن أن نسميه «تعذيباً نفسياً أو معنوياً»، كنت معصوب العينين خلال أوقات التحقيق، وكان سقف الزنزانة مرتفعاً جداً رغم ضيق مساحتها، وكان هناك إحساس جميل في غياب حرارة الصيف. تلقيت بعد أسبوعين أول «زيارة»، وكانت بعض الملابس، وعصير «بست»، ومَنْ أرسل لي هذه الزيارة كان صديقي حامد جبر، وصلاح، ولمياء صبري مبدي. خلال التحقيق كنت واقفاً في مكان ليُشعروني كأنني على حافة مبنى قد أَسقُط منه في أي لحظة. كانت تجربة أولى انتهت بترحيلي إلى سجن الاستئناف الذي أصبح الآن دار الكتب القديمة في قلب العاصمة. هناك واقعة شهيرة لك مع الرئيس انور السادات؟ - واقعة قديمة وشهيرة، لأن السادات عقب انتفاضة كانون الثاني (يناير) 1977، أراد أن يعطي انطباعاً للمجتمع بأن الذين خرجوا ضده «غوغاء وقلة»، وسماها «انتفاضة الحرامية»، بينما المؤسسات المنتخبة كلها معه. فقرر أن يعقد ثلاثة لقاءات علنية وأن يذيعها على الشعب مع: اتحاد العمال واتحاد الطلاب وأعضاء نوادي هيئات التدريس. الاجتماعان مع اتحاد العمال وأساتذة الجامعات أعربا عن تأييد واضح للرئيس (السادات). وحين عُقِد الاجتماع مع الطلاب، كنتُ رئيساً لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، منتخباً لمدة عامين، وكنت نائب رئيس الاتحاد العام لطلاب الجمهورية، وكانت اللائحة الطالبية في حال التخرج من الجامعة أن تترك موقعك في الكلية والجامعة، لكنك لا يمكن أن تترك منصبك في اتحاد طلاب الجمهورية، لعدم وجود دورة انعقاد لانتخابات جديدة. كان المعتاد أنّ من يشغل رئاسة اتحاد طلاب -عادة في العام الأخير- يؤجّل حضوره لإحدى المواد الدراسية حتى يظل طالباً، ففي حال لم يكن أحد يريد أن يترك موقع رئيس اتحاد طلاب جامعة حتى يتخرج، ماذا سيفعل؟ لكنني أصررت على التخرج، ما أثار دهشة زملائي، فتركتُ اتحاد طلاب كلية الإعلام والجامعة وبقيتُ في منصب نائب رئيس اتحاد طلاب مصر للإعلام والنشر. وكنت في هذا الموقع رئيس تحرير الجريدة الناطقة باسم الطلاب، وهي طالبية مستقلة. كان عبد الناصر عقب الحركة الطالبية في العام 1968، أصدر قرراً بأن يكون للطلاب صوت، وصدرت جريدة الطلاب، وهي لعبتْ دوراً كبيراً في معارضة السادات وبلورة الحركة الناصرية تحديداً. وكان للأستاذ محمد سليمه دور مهم، إلى جانب الدور الرئيسي في تحرير الجريدة، قبل أن أشاركه في التحرير، ولديّ سلسلة مقالات في تلك الفترة بعنوان «الناصريون مَنْ هم وماذا يريدون»، نشرت في هذه الجريدة، وكانت في إطار حركة ناصرية تتبلور في الجامعات، أهم معالمها «لقاء ناصر الفكري»، ما ساعد في بلورة تيار ناصري جديد منبتّ الصلة بناصريي دولة عبد الناصر. وعندما طلب السادات لقاء اتحاد الطلاب، كنت في بداية التجنيد الإجباري في الجيش، لكنني طلبتُ مقابلة قائد معسكر الجيش وطلبت منه إجازة يومين لحضور لقاء السادات، فوافق. بعدها عقدنا اجتماعاً في اتحاد طلاب مصر رَأَسَه الدكتور شعبان حافظ الشافعي الذي توفي هذه السنة، وكان موجوداً معنا الأمين العام للاتحاد كمال زايد، ونواب الرئيس علي عبد الله، ومصطفى عبد المطلب، وناجي حافظ، فيما انتخب مجلس اتحاد طلاب جامعة القاهرة عبد المنعم أبو الفتوح، بعدما شغر المنصب بتركي الجامعة. كل هذه الأسماء التقت السادات في استراحته في مدينة القناطر الخيرية (دلتا النيل)، وفي هذا اليوم جرت مواجهة بين الطلاب والسادات كنا أعددنا لها في اجتماع سبق اللقاء، واقترحتُ خلالها عدم الوقوف للرئيس وعدم التصفيق له لدى دخوله، وأن نقاطعه فلا نترك له الفرصة للحديث. دخل السادات وكان معه (نائبه) مبارك، ورئيس مجلس الشورى الدكتور مصطفى كمال حلمي الذي كنا نحبه، إذ كان يشغل منصب وزير التعليم العالي، ولديه درجة عالية من الإنسانية والرقة تجاهنا كطلاب... في هذا اللقاء أخرج الرئيس السادات من أمامه بياناً مكتوباً، أصدره اتحاد الطلاب في ذكرى ميلاد عبد الناصر، ووُزِّع في الشارع، وكان حادّاً تجاه السادات، وهو قرأ منه خلال اللقاء، وقال: «انتم تتهموني بأنني أمثل ردة عن طريق عبد الناصر، وأنني في حَل سلمي غير مشرّف مع العدو الصهيوني». وأحتجّ جداً على البيان، قائلاً: «أنا خليفة عبد الناصر، كيف يقال هذا الحديث، أريد أحد الناصريين يقول كيف أنا (السادات) ضد عبد الناصر؟». تلقفتُ الكلمة وقلت له: «أنا واحد من الناصريين إللي حضرتك تسأل عنهم». ودار حوار لنصف ساعة بين الأخذ والرد، السادات كان رجلاً «ذكياً جداً»، وكانت مهمته إيقاعي بأننا كتبنا بياناً لا نستطيع تفسيره أو الدفاع عنه أو الإقناع به. هذا الحوار عندما أُذيع على الهواء، أعطاني فرصة للشهرة في مساحة جماهيرية واسعة، وهو اللقاء ذاته الذي احتد فيه السادات على عبد المنعم أبو الفتوح قائلاً: «قف مكانك» عندما هاجمه الأخير، كما واجهه علاء الرياش، الذي رفض حديث السادات عن «انتفاضة الحرامية». في بداية اللقاء تلا رئيس اتحاد طلاب مصر شعبان حافظ الشافعي، بياناً ضد سياسات السادات، وكل هذا أذيع، ما ساعد في إعطاء انطباع كون الحركة الطالبية «بنت الناس» وتعبّر عنهم وليست مقرّبة من السلطة. وقيل عقب هذا اللقاء إننا (الطلاب) سُجِنّا وضُرِبنا، وكل هذا غير صحيح، لم يُسَأْ التعامل معنا على أي نحو عقب اللقاء. ومتى دخلتَ السجن مجدداً؟ - كانت هناك مرات. كانت لدخولي السجن علاقة بفترة من معارضتنا الواضحة لنظام مبارك. فكلما كان هناك حديث من نوع: قيام إسرائيل بغزو بيروت في العام 1982، وكنا نقرر النزول في تظاهرات، يأتي رجال أمن الدولة قبل موعد التظاهرة، ويتم إيداعي السجن حتى انتهاء فاعلياتها. لكن المرات الجديرة بالاعتبار كانت في 2003 عام غزو العراق، وقبلها في العام 1997، عندما بدأ تطبيق قانون جديد للأراضي الزراعية لتنظيم العلاقة بين مُلاّك الأراضي والمستأجرين، وهو ما سميناه «الحرب ضد الفلاحين»، إذ تم تغيير قانون أصدره عبد الناصر للإصلاح الزراعي، ينص على أن الإيجار يكون سبعة أمثال الضريبة، وهو ما كان يعتبره ملاّك الأراضي منخفضاً، فيما الفلاحون يعتبرونه مكسباً. تغيّر هذا القانون عام 1992 وتقرر بدء سريان تطبيقه العام 1997. وحين طُبِّق حصلت ثورة هائلة في الريف المصري، اذ قام كل فقراء الفلاحين بانتفاضة هي أوسع انتفاضة طبقية حصلت في مصر في القرن العشرين، ولم تغَطَّ أو تؤرَّخ، بما يعطيها حقها. قدّموا عشرات الشهداء من الفلاحين، بينهم نساء، في قرى مصرية، إضافة إلى مئات المعتقلين والجرحى. خلال هذه الفترة شكّلنا لجنة سميناها «اللجنة القومية للدفاع عن الفلاحين»، وهي ضمت مجموعة من المثقفين المتعاطفين مع قضاياهم، وبين هؤلاء الفنان حمدي أحمد. وبدأنا نمرّ على قرى الريف المصري لندعو إلى العصيان المدني، ورفع الرايات السود فوق أسطح المنازل والاصطفاف على الطرق الزراعية بمعدات الفلاحين، قمنا بتظاهرة ضخمة للفلاحين في مؤتمر عُقد بمقر حزب التجمع في قلب العاصمة، وتطوّر هذا الصراع فقرروا القبض على بعض المثقفين، واعتُقِلتُ في هذا الوقت. كانت هذه المرة الوحيدة التي تعرضتُ فيها لتعذيب بدني مروِّع في سجن استقبال طرة، وأمضيتُ فيه نحو ستة اشهر. في 2003 مع غزو العراق، كنا أعلنا أننا مع أول صاروخ سيسقط على بغداد، سنحتل السفارة الأميركية في القاهرة، ففي 20 آذار (مارس) كان لميدان التحرير واحد من المشاهد النادرة المشابهة ل25 كانون الثاني (يناير)، وحصل صدام مع الأمن، وفي اليوم التالي اعتقلوني من منزلي، وكنت نائباً في البرلمان. اعتُقلت من دون إجراءات لرفع الحصانة، وكان معي أيضاً النائب محمد فريد حسنين، وعدد كبير من المنتمين إلى الحركة الوطنية، وأُفرج عني بعد نحو 21 يوماً. هذه كانت آخر مرة أُودِعتُ فيها السجن. ألا تتوقع دخول السجن في ظل حكم «الإخوان»؟ - حكم «الإخوان» لا يعطي أي ثقة بديموقراطيته، ولا باحترامه معارضيه، وأسأل الله العفو والعافية، لكنني لا أثق باحترام نظام «الإخوان» لحقوق الانسان ولا للمعارضين لهم، بالتالي من المتوقع سجني. هل تخاف على أمنك الشخصي؟ - بالتأكيد، كما كل ناشط في الحياة السياسية في مصر. الخوف ليس من السجن، بل من العنف وتداعياته. وهل تعرضت لتهديدات؟ - نعم، وتعرّض منزلي لتهديدات. في عهد مرسي؟ - نعم في عهد مرسي، ومن جماعات قريبة من مرسي. من «الإخوان»؟ - لا، من جماعات ذات طابع سلفي، ولا يزال هذا التهديد قائماً بدرجة أو أخرى. هناك العديد من هؤلاء يَدْعُون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى تصفية خصومهم الذين يعتبرونهم ضد الحكم الإسلامي. كم مرة التقيت مرسي؟ - كثيراً، جلسنا سوياً كعضوين في البرلمان. عندما وصل إلى الرئاسة؟ - مرة واحدة، قبل الإعلان الدستوري، اتصل بي الرئيس مرسي، وكان ودوداً. دعاني إلى الجلوس سوياً، لتصفية معضلة الدستور وحلّها، فرحّبت. هل استقبلك في قصر الاتحادية؟ - نعم. كيف كان شعورك؟ هل اعتراك شعور بأنه كان يجب أن تكون مكانه؟ - لا على الإطلاق. شعرت بأنه الرئيس الآتي عبر الانتخابات، وكنت أتمنى نجاحه في مهمته، أن يكون رئيساً يحقق أهداف الثورة. هل يمكن أن تختصر أخطاء مرسي في ثلاث أو أربع نقاط؟ - في المقدمة أنه صنع انقساماً في المجتمع والحياة السياسية على رغم أن مهمته الأولى أن يكون داعية وحدة وعاملاً رئيساً في وفاق وطني، وأنه انتصر لمشروع جماعته (الإخوان) على حساب مشروع المجتمع المصري، إضافة إلى أنه لم يعطِ شعارات الثورة وأهدافها أي ترجمة حقيقية في قرارات السلطة، لا في الديموقراطية ولا في العدالة الاجتماعية ولا الكرامة الإنسانية. في التظاهرات التي ستخرج 30 الشهر، هل ستطالبون بتغيير سياسات الرئيس أم الرئيس نفسه؟ - نحن نريد الرئيس. لكنه يقول إنه لن يسمح بالخروج عن القانون. هل تتوقع يوم صدامٍ كبير؟ - نعم، 30 حزيران (يونيو) سيكون يوماً للتعبير عن إرادات متصارعة في مصر: إرادة ثورية شعبية تعتقد بأن مرسي لم يعد يمثل الثورة، بل هو عائق أمام تحقيق أهدافها، وأن جماعته لا تعبّر عن مصر وإنما عن مشروعها الخاص... إرادة ثورية تريد انتخابات رئاسية مبكرة وإعادة الاحتكام إلى الشعب عبر الصناديق، وعلى الشعب أن يقول كلمته: هل يبقى مرسي أم يتم تغييره؟ مرسي وجماعته يمارسان مزيداً من سطوة السلطة والتمكين للجماعة. هل ترى أن 30 حزيران هو موعد لإنقاذ البلاد من عهد مرسي؟ - بالتأكيد، هو موعد لإنقاذ مصر من سياسة إخوانية لا تعبر عن الثورة، ولا تخدم الشعب المصري، متدنية الكفاءة في إدارتها للبلاد. هل تتآكل مصر في عهد «الإخوان»؟ - لا تتآكل... مصر تكمل ثورتها بكل أعباء استكمال الثورة ومصاعبه وكلفته. في حال عَرَضَ عليكم مرسي تشكيل الحكومة، هل تشاركون؟ - أنا لن أشارك. طلبنا منه حكومة كفاءات وطنية مستقلة، لا حكومة ائتلافية تدير البلاد لفترة موقتة، وتكون طرفاً محايداً في الإشراف على الانتخابات التشريعية. كما طلبنا أن يكون هناك اتفاق بيننا (المعارضة ومرسي) على تسمية رئيس الوزراء، وسبعة وزراء هم الأكثر تأثيراً في عملية الانتخابات: الداخلية والعدل والإعلام والتنمية المحلية والتموين والشباب والتعليم. كما طالبنا بنائب عام جديد يرشحه المجلس الأعلى للقضاء، ينهي به عدوانه على استقلال القضاء. هل تخشى من «أخونة» الجيش؟ - لا. ألديك ثقة بالمؤسسة العسكرية؟ - نعم، لديّ الثقة بأن الجيش المصري غير قابل للأخونة. هل الجيش والقضاء ضمان لمعارضي مرسي؟ - بالتأكيد، الجيش بين الضمانات الرئيسية لوقف سريان الأخونة في مؤسسات الدولة، وهو المؤسسة الوحيدة المستعصية على «الأخونة» في شكل جدي، أما القضاء فهناك محاولات مستميتة لكسر استقلاله وأخونته عبر مشروع للسلطة القضائية نقاومه. القضاء يقاتل في هذه المعركة ومعه الشعب المصري كله. هل يقدم 30 حزيران (يونيو) رسالة قوية لوقف «الأخونة» أم يدفع «الإخوان» إلى التشدد أكثر، وتتجه مصر إلى معركة في الشارع؟ - 30 يونيو مهمته وقف الاستبداد الإخواني وفتح الباب أمام انتخابات رئاسية جديدة، وإذا لم يحقق هذا الهدف سيكون رسالة قاطعة بأن منهج «الأخونة» مرفوض. على «الإخوان» أن يختاروا في هذه الحالة بين الاستمرار في حالة الصدام مع الشعب، وهم الخاسرون، أو يتعلموا. - صباحي ل«الحياة»: تردد «الإخوان» في بداية الثورة وانضموا إليها بعد انكسار الشرطة ووقوع الشرق الأوسط بين «مُرشدين» مرهون بنتائج المعركة المفتوحة في مصر (1) - صباحي: عجز مرسي عن الاجابة وقال «اريدك معي نائباً للرئيس» ... شعار «يسقط يسقط حكم العسكر» أضر الثورة وقرب بين الجيش و«الاخوان» (2) غداً حلقة رابعة واخيرة