قال حمدين صباحي مؤسس «التيار الشعبي» وعضو «جبهة الانقاذ» المعارضة ان مرشح «الاخوان» محمد مرسي الذي كان يستعد قبل عام لخوض الدورة الثانية من الرئاسة عجز عن الاجابة عن سؤال وجهه اليه وهو هل ستكون رئيساً مستقلاً في حال فوزك. وكشف ان مرسي قال له في الاجتماع «اريدك معي نائباً للرئيس». واعترف صباحي ان شعار «يسقط يسقط حكم العسكر» أضر بالثورة لانه سمح ل «الاخوان» بمغازلة الجيش والاقتراب منه. وهنا نص الحلقة الثانية: من اللافت أن الولاياتالمتحدة لم تدافع عن النظام المصري (السابق) الحليف أو التابع لها. هل تعتقد بأن الرأي الأميركي كان له حساب لدى المؤسسة العسكرية؟ – يمكن أن أحدد العوامل الرئيسة المحرّكة للمؤسسة العسكرية في مصر على النحو الآتي: الأول هو العامل الشعبي، إذ يجب أن تكون المؤسسة منسجمة مع تيار واضح ينسجم مع المطلب الشعبي والمزاج الشعبي المصري. والثاني ألاّ يكون تحرّكها مندرجاً في خانة المحظور الأميركي، أي لا بد من أن تجد عدم ممانعة أميركية، وليس موافقة بالضرورة. منذ سنوات يقتصر تسليح الجيش المصري على أميركا، وجزء رئيسي من المعونة الأميركية معونة عسكرية، لذلك يستبعد أن يضحي بمصدر تسليحه الوحيد وبمصدر مهم من مصادر تمويله. ولهذا أتوقع أن يأتي قرار الجيش في المرتبة الثانية بعد العامل الشعبي، أي ألا يكون في تناقض مع القرار الأميركي، إذ يجب أن يكون هناك ضوء أخضر ما. الجيش في ثورة 25 يناير، مارس الحياد الإيجابي، قال «لن أضرب الناس، ولن أعلن خلع مبارك». نزلَ إلى الشارع في 28 كانون الثاني (يناير)، ويومها عرفنا النبأ من التلفزيون، وكان السؤال في الميدان: كيف سنتصرف مع الجيش؟ كانت إجابتي للناس الذين طلبوا مني أن أخطب في الجماهير في الميدان «حين يأتي أفراد الجيش نلوّح لهم، ونأخذهم بالأحضان، ومن يستطيع، يُلقي عليهم الورود». أنا رأيت الجيش في تظاهرات 1977 وخلال أحداث الأمن المركزي في العام 1986، في كل الأحوال هو تعامل مع الشعب بهذه الطريقة المنضبطة، وهو بالغ الحرص على ألاّ تهتز صورته عند الشعب. هذا يفسر تصريحات (وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح) السيسي هذه الأيام التي قال فيها إن الجيش مع الشعب المصري، هو مضطر لقول هذا الكلام لأنه وريث تقاليد في الحياة العسكرية المصرية يحاول الحفاظ عليها. الجيش لم تكن عنده فرصة ليخوض معركة ضد سمعته وعلاقته الوطيدة بالشعب، أو ضد التقاليد العسكرية ذات الطابع الوطني الأصيل، أو ضد توازن قوى. هو يعلم أنه في حال دخل في صدام مع هذه الملايين سيخسر. ماذا كان سيفعل مع الملايين في ميدان التحرير؟ هل يضرب بالدبابات؟ هو أصلاً ليس قوة مكافحة شغب. تعرف المشير طنطاوي؟ - شخصياً لا أعرفه. وعمر سليمان؟ – ولا عمر سليمان، لا أعرف أياً منهما، لكن المشير طنطاوي التقيته في سياقات عامة، أيام كنت نائباً في البرلمان، وفي القصر الجمهوري عند حسني مبارك، حين كان يذهب النواب إليه، أما عمر سليمان فلم التَقِه أبداً. كيف كانت علاقتك بمبارك؟ - رأيي السياسي كان واضحاً. أنا مؤسس لحركة «كفاية»، كنت أراه كل سنة مرة في البرلمان، أما لقاءات شخصية، فلا. ومرة كان يفتتح مصنعاً في دائرتي، ومن الطبيعي أن يحضر نواب الدائرة. كيف كان تعامله معك؟ - كان بالغ اللطف، يحرص على مناداتي باسمي، يقول «أزيك يا حمدين وعامل أيه، أيه صلاح سلامة عامل فيك أيه ويضحك، طب والكارفته دي أخبارها أيه». هو إنسانياً رجل مقبول، ويتعامل بطريقة ودية، لكن مشكلته في سياساته. لم يكن هناك أي شيء على المستوى الشخصي يمكن أن يُحسب عليه، ولم تكن هناك علاقة تسمح بأن أُشكل انطباعات، أكثر من حيز حسن النية في إنسان يتعامل بشكل جيد. لكن كل سياساته من وجهة نظري المعلنة، كانت خاطئة. من صلاح سلامة؟ – كان محافظ كفر الشيخ، وقبلها رئيساً لجهاز مباحث أمن الدولة، وكانت علاقتنا متوترة على اعتبار أنه المحافظ وأنا نائب معارض. أيام الثورة كانت ممتعة لك، كناصري. شيء ممتع أن يكون المرء زعيماً وله أنصار. – أنا تقريباً لم أفرح في حياتي بمقدار ما فرحت بين 25 كانون الثاني ( يناير) و11 شباط (فبراير)، خصوصاً 11 شباط. أنا مقتنع بأن لا فرحة أكبر من ذلك إلا تحرير فلسطين. تحرير فلسطين لن يكون على أيامنا... - على الأقل طالما بقي «الإخوان» في الحكم. كيف تشعر حين ترى مبارك آتياً إلى المحاكمة على حمّالة؟ – مبارك لم يعد يأخذ اهتماماً مني. ليس مصدراً للاستهجان ولا للتعاطف، إنه موضوع ثانوي الآن. جدول الأعمال المصري حافل جداً وصعب جداً. مبارك سقط، وبسقوطه من السلطة التشفي به ليس ذا معنى على المستوى الأخلاقي. ومنذ كان في السلطة كنا ضده، بالتالي لا يستحق الانتصار له، خصوصاً من الذين سعوا إلى إسقاطه، وأسقطوه. أعتبره موضوعاً خارج التاريخ الآن، مشكلتنا أننا قمنا بثورة وأسقطنا رأس النظام لكننا ما زلنا نحصد المرّ الذي كان مبارك يسقينا إياه في الديموقراطية وفي العدالة الاجتماعية. انتقلت مصر من مبارك إلى جنرالات الجيش. كيف تقوِّم أداء العسكر في هذه المرحلة؟ – أعتقد أن العسكر أساؤوا إدارة المرحلة الانتقالية. هناك فرق بين مَنْ صنعوا الثورة ومَنْ تركوها تحقق هدفها. نحن أدركنا الخطأ الفادح، وهو جزء من الدروس المستفادة، أن الثوار الذين صنعوا الثورة وقدموا شهداءها، عادوا إلى منازلهم بمجرد أن سقط مبارك. كانوا بالغي الرقي، لم يطلبوا سلطة، لكنهم كانوا بالغي السذاجة، لأن الثورة سلَّمت السلطة لمَنْ لم يصنعها. نظفنا الميدان، وذهبنا إلى منازلنا، وتركنا الثورة في يد المجلس العسكري. والمجلس خطأه الرئيسي أنه أقدم على ممارسات أسالت دماً وأسقطت شهداء، فبدأ يصنع خصومة مع القوى الثورية الشابة التي كانت تطلب القصاص لشهدائها الذين سقطوا في ظل نظام مبارك، فاكتشفَت أن مزيداً منهم يسقطون في ظل المجلس العسكري. وهل هذا بمبادرات منه، أم سوء تصرف، أم استدراك؟ – ظني أن الجيش لم تكن له أي مصلحة في أن تسيل نقطة دم، وهذا جزء من إدراك لبنية هذه المؤسسة وطريقة (اتخاذ) القرار فيها. في النهاية حصلت هذه الأخطاء، بالتالي هو يتحمّل مسؤولية سياسية عنها، بصرف النظر عن المسؤولية الجنائية، كأن يظهر أن هذه الأحداث خدعة أو أن جهازاً آخر مسؤول عنها. نحن أيضاً كثوار، كنا من السذاجة بحيث صنعنا لأنفسنا فخاً، هو: «يسقط يسقط حكم العسكر». هذا كان شعاراً بالغ البراءة والمنطقية، ومن أهم الأخطاء التكتيكية التي ارتكبها الثوار، لأن هذا الشعار خلق المناخ الذي حرث الأرض ل «الإخوان» كي يتوافقوا مع المجلس العسكري. هل تشعر بأن ل «الإخوان» أحياناً دوراً في الوقيعة بين قوى الثورة والعسكر، وأنهم استغلوا ضيق أفق العسكر واندفاع الثوار للوقيعة، في بعض الأحداث؟ – ليس لديّ ما يجعلني أتهم «الإخوان» بأنهم دعوا إلى تلك الوقيعة، لكن لديّ ما يجعلني أتهم نفسي والثوار بأننا كنا أبرياء وطيبين ومخلصين للفكرة الثورية. نحن أضرّينا جداً بقضية الثورة بهذا الشعار، فكلما كان ينتشر شعار «يسقط يسقط حكم العسكر»، كان «الإخوان» يقدّمون أنفسهم بديلاً شعبياً مؤازراً للمؤسسة العسكرية في مواجهة الثوار الذين يعتزمون تحطيمها والانقضاض على قادتها والاقتصاص منهم. مصر صارت في يد المجلس العسكري، هل راود طنطاوي وزملاؤه أن يحكموا؟ هل هربوا من السلطة؟ هل أساؤوا التصرف فوصلت السلطة الى «الإخوان»؟ سلوك طنطاوي يوحي بأنه كان يعتقد أن الطاولة ستنقلب عليه. – سلوك طنطاوي سلوك رجل لو كان يريد أن يحكم، لما سمح لهذا المقدار من الأخطاء الحمقاء أن يحدث. لا أعرف نيته، لكن سلوكه لا يدل على نية في الحكم. هذا سلوك رجل يريد أن ينهي مرحلة انتقالية ويسلِّم السلطة، وهو أدار هذه المرحلة بكفاءة سياسية بالغة المحدودية. في لحظة ما، اعتقدتُ بأن المسؤول عن تسليم البلد ل «الإخوان المسلمين» هو المجلس العسكري، وطريقته في الأداء. تقول إن المجلس العسكري وطريقة أدائه كانا السبب في تسليم البلد ل «الإخوان»؟ – كانا سبباً رئيسياً. حين كنا في الشارع نهتف، كان «الإخوان» يجلسون مع المجلس العسكري ليتفقوا، حين كان الشباب يذهبون إلى شارع محمد محمود، كان «الإخوان» يدينون المتظاهرين لمصلحة المجلس، بالتالي كان على المجلس العسكري أن يختار بين من يشتمونه ويقولون «يسقط»، و «الإخوان» الذين يدافعون عنه، فمن الطبيعي أن يقترب ممن يدافعون عنه. ثانياً المجلس العسكري يحكم سياسياً، وهو ليس حزباً سياسياً ولا يملك تنظيماً، ووجد تنظيماً جاهزاً بالغ الانضباط، يطبق السمع والطاعة، اسمه «الإخوان»، يعرض عليه خدماته في أن يؤازره، فيقول اسْتَخْدِمه، بصرف النظر عمن نجح في استخدام الآخر. هذه اللحظة كان السبب الرئيسي فيها هو افتقاد رؤية ذات طابع تكتيكي، فيها من ذكاء الإدارة لدى قوى الثورة الحقيقية، ما سبّب تقسيم البلد إلى نوع من أنواع وفاق إخواني- عسكري لدى طرفيه احتياجات متبادلة، واستطاعا أن يخدما بعضهما بعضاً. هذا ملمح رئيسي من ملامح الفترة الانتقالية. هل هناك رأي أميركي للتشجيع على مجيء «الإخوان»، إذا كان يعتبر أن لهم تمثيلاً في الشارع، ويمكن أن يساهم ذلك في وقف الإرهاب؟ – هذا الرأي الأميركي موجود منذ فترة، وهو جزء من الأفكار المتداولة والتي تناقش في وسائل الإعلام ومراكز البحوث. لكن السؤال: هل تبنت أميركا هذه الرؤية أم لا؟ ألاحظ أن الأميركيين ناصروا مبارك، لكنهم وجدوا أن ثمن إبقائه باهظ، بالتالي ستكون الصفقة خاسرة مع نظام حاز كل هذه الكراهية الشعبية. أصبح رهانهم أن يجدوا بديلاً يظهرون معه أنهم يناصرون الديموقراطية، وفي الوقت ذاته يحمي مصالحهم. هم يتحدثون كثيراً عن قيم أميركية، وهذا أصدقه عند المثقفين وحركة المجتمع الأهلي الأميركية ووسائل الإعلام يمكن أن تنتصر لها، لكن هذه القيم تتناقض مع مصالح أميركية، الإدارة معبّر رئيسي عنها ومسؤولة أمام القوى النافذة لضمانها. مصالح أميركا تتحقق إذا وجدت خادماً ديموقراطياً أفضل من الخادم المستبد. الترتيب واضح، أن يكون خادماً للمصالح الأميركية. حين أدركت الولاياتالمتحدة أن الثورة المصرية ستنتصر، لم تدفع كلفة الحفاظ على خادم فَقَدَ أوراقه الداخلية. اما هل ساعد الأميركيون في وصول مرسي إلى الحكم، فهذا سؤال لا أدعي أنني أملك قرائن عليه. لكن هناك سياقاً يجعل هذه المقولة مقبولة منطقياً، بصرف النظر عما إذا كانت تمت البرهنة عليها أم لا. هذا السياق يبدأ من أن هناك بدائل في التفكير الأميركي لفكرة العداء مع الإسلام، وهي فكرة مقلقة ومولّدة لكثير من العنف ضد المصالح الأميركية، لأشكال الإرهاب الذي راح ضحاياه مدنيون. دعم الإسلام المعتدل يمكن أن يحقق ميزتين، أن يضمن اعتدالاً إسلامياً في الحكم ويصون مصالح أميركا من حيث جوهرها بصرف النظر عن الأسلوب، وفي الوقت ذاته ينزع مشروعية العداء لأميركا من أيدي الواقفين على أرض الإسلام السياسي. يقدم إسلاماً موالياً لا معادياً، وأكثر جماعة جاهزة بحكم وجودها في مصر يمكن أن يكون لها نصيب، إذا تمت آليات ديموقراطية مثل الصندوق (الانتخابات)، هي جماعة «الإخوان المسلمين». هم أقلية بامتياز في مصر وليسوا غالبية على أي نحو، لكنهم يملكون أقوى تنظيم سياسي. إذا كانت هناك تفاهمات أميركية - إخوانية، فهذا يمكن أن يحقق هذه المصالح بكلفة أقل. ثانياً، الأولويات في المصالح الأميركية في الوطن العربي تبدأ بضمان أمن إسرائيل وضمان إمدادات النفط، وبالطبع ضمان أن تكون مصر مع أمن إسرائيل والحفاظ على الاتفاقات بين الجانبين، إضافة إلى العبور في قناة السويس. الآن، «الإخوان» جاؤوا، هناك دور مركب سيلعبونه في مصر، كخليفة لمبارك يحافظ على مصالح الأميركيين ولا يدخل في صدام معهم، ولكن له قوة إضافية بحكم أنهم ليسوا جماعة مصرية بل دولية وإن كان مرشدها مصرياً. معنى هذا أن «الإخوان» إذا دخلوا في اتفاق مع أميركا، سيؤمّنون حماية لمصالحها خارج حدود مصر، بقدر اتساع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، خصوصاً ارتباطهم ب «حماس» في غزة كجزء مهم في معادلة الصراع العربي - الصهيوني. هناك تحليل يقول ان الإدارة الأميركية تريد أن تغلق ملفاً فُتح في العام 1948 اسمه الصراع العربي – الصهيوني، ثم النزاع العربي - الإسرائيلي في خفض للمصطلح لتهوين الأمر. يريدون الآن طي هذا الموضوع وأفضل طريقة هي التوصل إلى دولة فلسطينية منزوعة القدرات على المنافسة، ودولة يهودية في إسرائيل. فإذا أتيت لتقول أنا إسلامي، فهذا مبرر ليقول الآخر وأنا يهودي... دولة إسلامية تقدم تبريراً منطقياً، بمبدأ المعاملة بالمثل، لأن تنشأ دولة يهودية. ومن جهة أخرى، إذا كان ل «الإخوان» نفوذ أو دالة على «حماس» أو أي طرف، ويؤثرون في آخرين منتمين إلى فكرة الإسلام بالمعنى الواسع والتوظيف السياسي له، فأفضل شريك لي يوقع صك طي هذا الملف يمكن أن يكون «الإخوان». أنا لا أتحدث عن حقائق، بل عن تحليل له منطق، وفيه مؤشرات. الأميركيون لا يساندون محمد مرسي لأنهم يريدون «الإخوان» أو يحافظون على مصالح «الإخوان». إذا كانوا ساندوه فلأنهم وجدوه ملائماً للحفاظ على الرؤية الأميركية، أي المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الوطن العربي والمنطقة. مَنْ الرجل الأساسي ل «الإخوان» في مصر؟ – هناك مكتب الإرشاد، وهو صاحب القرار، وأعتقد بأن الحزب السياسي ذراع سياسية ولا يأخذ موقفاً. «الحرية والعدالة» كحزب كان ببنية الجماعة وإمكاناتها وهياكلها وكوادرها وسمعتها. لا أرى استقلالاً للحزب عن الجماعة إلا في حدود التفاصيل، على رغم أنه يملك هياكل مستقلة. هو حزب يعمل في السياسة لكنه لا يصنع سياسته. هل يَصدُق هذا على الرئيس؟ – هذا يصدق أكثر على الرئيس. هل يمكن القول إن المرشد هو رئيس الرئيس؟ – يمكن القول إن مكتب الإرشاد هو رئيس الرئيس. يمكن نظرياً أن يكون المرشد، ولكن عليك أن تمتلك تفاصيل للأفكار النسبية أو الأوزان النسبية داخل مكتب الإرشاد، فالشائع هو أن (النائب الأول لمرشد الإخوان المهندس) خيرت الشاطر قد يكون نفوذه في القرار أكثر من المرشد، وهذا أيضاً كلام ليس له دليل لكنه شائع. نفوذ الشاطر أكبر من المرشد، هل نفوذه أكبر من الرئيس؟ – الرئيس لم يكن مرشحاً (الانتخابات الرئاسية)، المرشح كان خيرت الشاطر، وسياق إجرائي دفع به (مرسي) لأن يكون المرشح. وهو يعرف أن ملكاته الشخصية في حال تقدمه كمرشح لم تكن تؤهله للمنافسة، قدرات التنظيم (الإخوان) هي التي أوصلته إلى الرئاسة، ولديه الوفاء الطبيعي والالتزام الطبيعي. تكوينه الشخصي ليس التكوين المبادر الخلاق، ونحن نعرفه منذ سنوات: تكوينه (مرسي) انضباطي أقرب الى أن يكون جزءاً من جهاز بيروقراطي، أكثر من أن يكون طاقة تملك الخيال والرؤية والمبادرة. كل هذا يتيح القول إن محمد مرسي يعود إلى مكتب الإرشاد (الهيئة العليا للإخوان). عندما وصلنا إلى انتخابات (جولة) الإعادة، كان مرسي يريد الحصول على أصوات مِن التي حصلتُ عليها (في الجولة الأولى)، ويريد ملايين الأصوات التي حصل عليها عبدالمنعم أبو الفتوح، وأنا أعلنت عقب النتيجة (الجولة الأولى) أن مَنْ انتخبوني أحرار، ولم ألزمهم بالتصويت ل (أحمد) شفيق أو مرسي. وبدأت مفاوضات لأنهما يريدان الحصول مني على تأييد معلن. جلستُ وعبدالمنعم أبو الفتوح مع مرسي، كان اتفاقنا أنا وأبو الفتوح اننا كنا نعتبر محمد مرسي شريكاً في الثورة، وأحمد شفيق تعبيراً عن النظام الذي أسقطته الثورة، فالأكيد أننا لن نؤيد أحمد شفيق. جلسنا مع محمد مرسي وكان اتفاقنا مع عبدالمنعم أن السؤال الجوهري الذي سنقرر على أساسه هو: عندما يأتي (مرسي) رئيساً في حال دعمناه، هل سيدير مصر مستقلاً، مع حقه في أن يحترم الجماعة ويعاملها معاملة لائقة بوصفها مكوناً رئيسياً في الحياة السياسية، أم سيدير مصر باعتباره واحداً من «الإخوان»؟ كان السؤال حول استقلالية مرسي عن الجماعة، المحك في حوارنا معه. جلسنا معه لكننا لم نحصل على إجابة تطمئننا، اللحظة كانت حرجة جداً، والفارق (في الأصوات) ضيقاً جداً بينه وبين شفيق، ولو أعلنتُ دعمي له فغالبية من صوّتوا لمصلحتي سيعطون أصواتهم لمصلحته. يفترض في هذه اللحظة الحرجة أن يكون لديه (مرسي) شغف الوصول إلى الرئاسة، حتى وإن كان ليس مستقلاً سيقول: لا، أنا مستقل تماماً ولن أخضع لهم (الإخوان)، لكنه لم ينطقها. قال: «كدا يا عبدالمنعم أنت تسألني هذا السؤال... يعني يا حمدين أنت بعد العمر ده تسألني أنا تبع الجماعة ولا لأ، إحنا طبعاً سنعمل لمصلحة مصر». كانت إجاباته خارج النص، فكررنا التساؤل ولم ينطقها. الأمر الثاني أن وصول مرسي إلى قصر الرئاسة، جاء على تراث من الصراع بين أجهزة الدولة، ومع الجماعة الآتي من قلبها، ما يعني أن ثقته بالدولة وأجهزتها إن لم تكن مفقودة، فستكون مهتزة بحكم التجارب، لذلك يستعين بالجماعة. إحدى المشاكل الرئيسية في البلد أن يجعل رئيس الجمهورية أجهزة الدولة، التي هو على رأسها، عاملاً ثانوياً، والجماعة الجهاز الرئيسي لإدارة الدولة، وهذه معضلة. هل تلقيت عرضاً من «الإخوان» بالحصول على دور في حال أيّدتَ مرسي؟ - نعم، مرسي عرض عليَّ منصب نائب رئيس الجمهورية، في الجلسة ذاتها، قال لي: «أريدك معي نائباً للرئيس»، وكان عبدالمنعم حاضراً، إضافة إلى (رئيس حزب الوسط) أبو العلا ماضي. وقال لي: «سأعلن هذا الحديث»، فأجبت: «أرفض الإعلان، لأنك ستضع نفسك في حرج، ففي حال أعلنتَ ترشيحي نائباً، سأخرج وأعلن رفضي، وهذا لن يفيدك». هل اتفقَ معك على سياسات إضافة إلى منصب النائب؟ - لا، لم نتوافق حتى نصل إلى الحديث عن سياسات. كان (مرسي) عرَضَ نائب الرئيس عليَّ وعبدالمنعم أبو الفتوح، على أن نؤيده، وخرجت من الاجتماع الذي عقد في فندق «كمبنسكي» القريب من ميدان التحرير (قلب العاصمة)، متفقاً مع عبدالمنعم على عدم حصولنا على إجابة شافية حول استقلالية مرسي عن الجماعة إذا أصبح رئيساً. دارت الأيام وتمسّكتُ بموقفي بعدم تأييده، لكن عبدالمنعم أبو الفتوح أعلن تأييده، ولم يعطِه شيئاً. وعرض من احمد شفيق هل جلستَ مع شفيق؟ - رأيت شفيق حين كنت نائباً (دورة 2005 – 2010)، ولم أره في الثورة. قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، هل جلستَ معه؟ - لا. ألا يعذّبك ضميرك أنك كنتَ سبباً في وصول «الإخوان» إلى الحكم؟ في حال تأييدك لشفيق، ألم يكن ممكناً حصول إصلاحات من داخل النظام؟ - لا أحب أن أدعي الحكمة بأثر رجعي. أيدتُ «الإخوان» قبل الثورة ولست نادماً، لأنهم كانوا محل اضطهاد مثل باقي القوى السياسية، وشاركوا معنا في الميدان ولهم حق أن نظل شركاء. وهذا يعطي مشروعية لمعارضتي الآن لمحمد مرسي، موقفي ليس أيديولوجياً أو ثابتاً، وأحاول أن أكون منصفاً في مواجهة ما تم فضحه فيهم، كما أنني لا أتنبأ بالغيب. شفيق عرض عليَّ عبر وسيط محترم هو (وزير الإعلام في عهد السادات) الراحل الدكتور منصور حسن، والذي كان هناك اتفاق بين المجلس العسكري و «الإخوان» على أن يطرح رئيساً للجمهورية، اتصل بي وقال: «أرى ضرورة حصول تفاهم مع شفيق» وأنه كان يدعمه، على أن أحصل على منصب النائب، ومن الممكن أن أكون «النائب الذي يدير أكثر الملفات، وبمعايير العمر فإنه (شفيق) لن يستمر سوى دورة واحدة (4 سنوات)، ما يعطيك فرصة التمرس مع جهاز الدولة وتؤهل للعمل». لكنني لم أكن مؤهلاً على الإطلاق لقبول مثل هذا العرض، وهذا ليس موقفاً شخصياً من أحمد شفيق الذي أقدّره وأكنّ له مودة، وكنتُ ذهبت لتعزيته (بوفاة زوجته) في منزله، وهي المرة الأولى التي أجلس معه. كان ذلك قبل إعلان نيته الترشح. قلت لمنصور حسن: «لا أستطيع أن أقبل هذا العرض»، لكنه طلب مني التفكير في الأمر، قائلاً انه سيعتبر هذا الرد غير نهائي. ولم أتصل به بعدها، لأن السياق في هذه اللحظة كان: إما الثورة وإما النظام القديم. موقفي من أحمد شفيق ليست له علاقة بشخصه، وإنما بما يمثله، إنه جزء من سلطة ثار الشعب عليها، فإذا أعدنا إنتاجها، كان الأجدى القبول باستمراره (شفيق) في منصب رئيس الوزراء أو ترقيته إلى منصب نائب رئيس الجمهورية. غداً حلقة ثالثة صباحي ل«الحياة»: تردد «الإخوان» في بداية الثورة وانضموا إليها بعد انكسار الشرطة ووقوع الشرق الأوسط بين «مُرشدين» مرهون بنتائج المعركة المفتوحة في مصر (1)