انتظر المغاربة مبادرة فتح الحدود المغلقة مع الجزائر، فجاءهم الرد، يرهن القرار بشروط، ليس أبعدها فرض الأمر الواقع في خلافات الجزائروالرباط حول ملف الصحراء. والواقع أنه لولا تباين وجهات النظر بين البلدين الجارين إلى حد التصادم في هذه القضية تحديداً، لما أمكن لمسألة الحدود أن يطول أمدها حوالى العشرين سنة. فالأصل في الخلافات التي يزيد نفوذها في الحؤول دون التطبيع الإيجابي للعلاقات أن مصدرها واحد. ولم يفعل إغلاق الحدود منذ صيف العام 1994 سوى إضافة أعباء جديدة تثقل مسار علاقات مترنحة لا تقوى على مواجهة أي هزات. استندت الجزائر في ترفيع سقف الشروط إلى رفض ما وصفته بوساطة لم توضح طبيعتها، والأرجح أنها تشير إلى ما نسب إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال جولته المغاربية، حين أعلن عن استعداد أنقرة للقيام بوساطة تفسح في المجال أمام إمكان معاودة فتح الحدود. لكن اللافت أن تأخر صدور موقف جزائري يعني أن المسألة تزيد عن مبادرة وساطة لم تقابل بترحيب متبادل. وبصرف النظر عن بواعث ردود الفعل الجزائري أكانت داخلية أو إقليمية، فإنها تفيد باستبعاد حدوث اختراق على جبهة الحدود المغلقة. بخاصة أن التصريحات التي نسبت إلى زعيم الاستقلال المغربي حميد شباط لناحية معاودة فتح ملف ترسيم الحدود مع الجزائر ألقت بظلال إضافية سلبية على مسار علاقات البلدين. وعلى رغم عدم صدور موقف رسمي من الرباط حيال موقف «الاستقلال» الذي يلزمه كحزب سياسي وليس حكومة، فالثابت أن اتفاق ترسيم الحدود المبرم عام 1969 لم يصادق عليه البرلمان المغربي. كونه تزامن وفترة حالة الاستثناء (الطوارئ) التي عاشها المغرب بين أعوام 1965 و 1970. فيما أن القمة التي جمعت الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والملك الحسن الثاني في المنتجع الشتوي في ايفران أقرت تجديد العمل باتفاق الأخوة وحسن الجوار. وبالقدر الذي مكنت فيه البلدين من فترة انفراج طبيعي انعكس إيجاباً على منطقة الشمال الإفريقي، من خلال تأسيس الاتحاد المغاربي، بالقدر الذي أثر إغلاق الحدود البرية بين البلدين سلباً على العلاقات الثنائية وجهود تفعيل البناء المغاربي إلى اليوم. لا يتصرف المغاربة وكأن قرار معاودة فتح الحدود وارد في أي لحظة. ولا يبدو أن الجزائر بدورها تضع الملف ضمن الأسبقيات. والأكيد أن ما صعب تحقيقه في هذا المجال، إبان فترة حكم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، يزيد بعداً في غضون الاشتغال الجزائري بترتيب الأوضاع الداخلية في البلاد. وحين يذهب العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى المنطقة الشرقية على مشارف الحدود المغلقة، لإعطاء انطلاق مشروعات إنمائية، فإنه يضع في الاعتبار إمكان التعايش طويلاً مع سريان مفعول إغلاق الحدود. وإن كان الأرجح أن تعزيز البنيات والمرافق إلى أقرب جوار الجزائر شرقاً يعزز فرص بناء اقتصاد حدودي متكامل. لكن الإنجاز على الصعيد الإقليمي يتطلب إرادة سياسية أقوى للقفز عن المطبات التي ما زالت تحد الآفاق. وضع غير طبيعي على الحدود المشتركة بين البلدين الجارين، لا يدفع في اتجاه انبعاث الآمال إزاء مشروع البناء المغاربي المتعثر أكثر. والمفارقة أنه في الوقت الذي يميل مؤشر التحولات الدولية إلى إلغاء الحدود وتخفيف الإجراءات الجمركية وتسهيل إقامة الاقتصاديات المتكاملة، تغرق المنطقة المغاربية في تناقضات مفاهيم انعزالية، ولا يبدو أن كافة التمنيات والمبادرات التي هدفت الى رأب الصدع وتنقية الأجواء بين الجارين الشقيقين استطاعت كسر حاجز الارتياب وغياب الثقة. ولا يفهم في هذا السياق إن كانت الجزائر ترد على أنواع المساعي الحميدة، وآخرها صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أم أنها تصر على ثنائية المشكل في ما يتعلق بالحدود، كما في ثنائية الحل. وفي مقاربات ملموسة أن الحدود بين البلدين ظلت مفتوحة منذ معاودة العلاقات الديبلوماسية بينهما، وإن استمرت الخلافات حول قضية الصحراء. ما يعني أن أقرب تصور واقعي لحلحلة المواقف يمكن أن يبدأ بتجزئة المشاكل التي لا تغمرها الخلافات. بخاصة أن قضية الصحراء ترعى الأممالمتحدة جهود تسويتها السلمية إلى الآن. وهي تراوح بين انبعاث الآمال وزيادة منسوب الإخفاق أخطر ما يميز هذه العلاقات الاستثنائية أن التعايش معها أصبح مفروضاً بقوة الواقع. وثمة جيل جديد من المغاربة والجزائريين على حد سواء لم ير من الجانب الظاهر لهذه العلاقات سوى الحدود المغلقة التي تفرق بين شركاء الدم والمصاهرة والأخوة. ناهيك عن وحدة العقيدة واللغة والمصير المشترك. ولعل أصعب موقف يجتازه البلدان أنهما يكرسان واقع التعايش مع حال استثنائية في العلاقات بين الدول. ما المانع إذا كانت الجزائر لا ترغب في وساطة أي طرف أن تقدم على مبادرة تلغي هذا الاستثناء. وإنها لمفارقة أن تكون الأسباب التي أدت إلى اتخاذ قرار إغلاق الحدود انتفت جزائرياًَ ومغربياً. لكنها مستمرة خارج آفاق حسن الجوار. ولا يهم أي تبرير تحتمي به أطراف الأزمة. فالأهم أن الواقع لا يرتفع.