نجاح حنان عشراوي في انتخابات عضوية اللّجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حمل أكثر من معنى: هي أولا السّيدة الأولى التي تصل إلى الموقع القيادي الأول الذي يدير «الوطن المعنوي» للشعب الفلسطيني، منذ تأسيس المنظمة عام 1964، على رغم حضور المرأة الفلسطينية في مختلف المواقع واضطلاعها بمهام متنوعة ومعقّدة. ذلك يأتي أيضاً في حمّى عاصفة التضييق على النساء في فلسطين بعد الحملة الشّرسة التي تنفذها «حماس» في قطاع غزة، والتي قفزت بالجدل بين الفلسطينيين من مقاماته السياسية حول المقاومة المسلّحة والمفاوضات، إلى فرض الحجاب والجلباب على المحاميات وطالبات المدارس، في ما أطلقت عليه الحكومة المقالة تسمية معيبة لا تليق بفلسطين وتراثها الأخلاقي والاجتماعي حين وصفتها بأنها «حملة الفضيلة». وهي بعد ذلك انتباهة من «الكلّ الوطني» لأحقّية التيار الذي تمثّله الدكتورة عشراوي في السّاحة السّياسية، وهو تيّار مزج ببراعة بين الليّبرالية المنفتحة وبين الحرص على المصالح العليا والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. والسيّدة عشراوي في هذا المجال واحدة من أبرز المنافحين عن أحقّية الشعب الفلسطيني وجدارته في الاستقلال وتأسيس دولته الخاصّة به، بل لعلّ حضورها في السّاحة السياسية اقترن بكل ذلك من اللحظة الأولى، أي منذ كانت الناطق الإعلامي للوفد الفلسطيني المفاوض في مدريد فحقّقت حضوراً لافتاً في الأوساط الإعلامية بالنظر الى ثقافتها العالية، ولباقة ردودها وانتباهاتها الذكيّة. نضيف إلى ما سبق أن عضوية حنان عشراوي في اللّجنة التنفيذيّة للمنظّمة تكريس لروح العلم والبحث العلمي، وإعلاء من شأن الجانب الأكاديمي في الحياة الوطنية وهي تستشرف آفاق التحرّر والاستقلال، وهي التي عملت طويلاً في مجال التعليم العالي، وحرصت في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الكبرى على المزاوجة بين النشاط اليومي للانتفاضة ومشاركة الطلبة فيها، وبين إنجاح برامجهم الدراسيّة، والوصول بهم إلى النجاح في تعليمهم الجامعي. على أن الأهم في كلّ ذلك أنه تحقق بالانتخاب الحرّ الديموقراطي المفتوح، وليس في سياق «كوتا» تخصّص للنساء. فالسيدة عشراوي تنافست مع رجل، بل مع شخصيّة وطنية معروفة بنزاهة صاحبها ودوره الوطني والثقافي الكبير، وحقّقت فوزها بالاستناد إلى اقتناع المقترعين باختيارهم لها. نجاح حنان عشراوي في الوصول إلى عضويّة اللّجنة التنفيذية يعيدنا من جديد إلى منطق المفاهيم المدنيّة وقيمة مؤسّسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية، والتي كان لها على الدوام الدور الأبرز في تفعيل النشاطات السياسية والاجتماعية في سياق الحراك الوطني منذ انطلاق الانتفاضة الكبرى، باعتبارها من أبرز الشّخصيّات التي عملت بصبر ودأب على تفعيل الجهود الشّعبية والارتقاء بها وزجّها في الجهد الوطني الكبير لمعركة تحقيق الاستقلال، خصوصاً أنها تحمل ثقافة سياسية عالية تدرك من خلالها حقائق السياسة في عالمنا الرّاهن من خلال متابعتها الدؤوبة بروح معاصرة تنطلق من الحقائق العلمية والموضوعية، وتنتبه إلى جدارتها في التقويم للوصول الى استخلاصات ورؤى صائبة. هو انتخاب يعلو على العادي إلى الحد الذي نعتبره مكسباً كبيراً للقيادة الفلسطينية في هذه المرحلة المصيرية، والتي تحتاج إلى القرارات الصّائبة والموضوعيّة. * كاتب فلسطيني.