في اختتام دورة «مجلس أخلاقيات بحوث العلوم والتكنولوجيا» التابع ل «أكاديمية البحث العلمي المصرية»، عُقِدَت أخيراً في القاهرة ورشة عمل لعرض دراسات توضح البُعد الأخلاقي في نشاطات البحث العلمي. واستُهِلّت الورشة بمداخلة الدكتورة ميرفت الشبراوي، وهي عضو في المجلس، عن أخلاقيات البحث العلمي، على غرار معايير «الهيئة الأوروبية المستقلة» المعنية بمراجعة المعايير الأخلاقية للبحوث العلمية Research Ethics Committees. وبيّنت أن هذه المعايير تفرض أن يراعي الباحث الأمانة العلمية بدقّة، وألا يختلق بيانات لا وجود لها، أو ينقل بيانات من آخر من دون ذكر اسمه أو احترام حقوق الملكية الفكرية. وأوضحت الشبراوي أن هذه المعايير تشمل أن يلتزم الباحث بالموضوعية في تناوله العلمي، بمعنى الابتعاد عن وجود منفعة تربطه بالمؤسسة التي تموّل البحث، واحترام خصوصيّة الأفراد عندما يشملهم البحث، وتجنّب عرض صور المريض في المؤتمرات العلمية من دون أخذ موافقة صريحة منه، والعمل على البحوث من دون تمييز بحسب اللون والدين والعرق والوضع الشخصي وعوامل الضعف الاجتماعي والإنساني وغيرها. تجربة غواتيمالا و «شيفرة نورين بيرغ» في السياق عينه، تحدّثت الدكتورة وفاء عبد العال، وهي تعمل في «المركز القومي المصري للبحوث»، طارحة السؤال عن إمكان تحوّل الطب كابوساً للبشرية. واسترجعت سلسلة حوادث سلبيّة في الممارسة الطبية، حفزت على ظهور قواعد أخلاقية لممارسة هذه المهنة. ووردت في هذه الاستعادة حادثة حقن سجناء وأطفال في غواتيمالا بكتيريا مُسببة أمراضاً تناسلية في عام 1946، مشيرة إلى استمرار تداعيات هذه الواقعة حتى الآن. وذكّرت بأن هذه الحادثة أدّت إلى ظهور ما يسمى ب «شيفرة نورين بيرغ» Nuremberg Code (1957). وترتكز «شيفرة نورين بيرغ» وهي الاتفاقية العالمية الأولى لآداب مهنة البحوث الطبية، على 3 مبادئ أساسية هي: العدل وحق الاختيار، والمنفعة والإحسان. وأضافت عبد العال: «للأسف الحضارة العربية- الإسلامية غير مسجلة تاريخياً بوضع قوانين تُنظّم أخلاقيات مهنة الطب للأطباء والجراحين»، مشيرة إلى البرديات المصرية القديمة تظهر البدايات الأولى لقواعد الأخلاق الطبيّة. تطالب أخلاقيات البحوث بضرورة إفادة البحث لمن كانوا موضوع البحث وتجاربه، بحسب عبد العال. إذ أشارت إلى مثال وصفته ب «الصارخ» يتمثّل في استغلال عدد كبير من المرضى في الدول الأفريقية في بحوث إنتاج عقار لمرض الإيدز، من دون أن تستفيد هذه الدول بنتائج البحوث، بل استفادت منها الدول الصناعية الغربية. ما يزيد حدّة المفارقة أن المجتمعات الأفريقية تضمّ أعداداً كبيرة من مرضى الإيدز! وفي هذا السياق، طالبت عبد العال أيضاً بضرورة تعزيز الحكومة المصرية لبحوث الأدوية، مع بذل الجهود لبلورة قانون للتجارب الإكلينيكية في سياق تسيير أعمال شركات الأدوية في تجاربها العلمية، مع ملاحظة غياب ممارسة هذا النوع من التجارب في مصر الآن. تجارة وطب كذلك طالبت عبد العال بضبط العلاقة بين الأطباء وشركات الأدوية، مبيّنة أن بعض تلك الشركات تعمد إلى إقناع الأطباء بالترويج لأدوية محدّدة، على رغم وجود أدوية أخرى تحتوي المواد الفاعلة نفسها وبسعر أقل، لكن يجري تجاهلها لمصلحة الأدوية موضع الترويج. وخلصت عبد العال إلى اقتراح للقضاء على التجاوزات الأخلاقية في مهنة الطب، قوامه وضع سياسات وإجراءات واضحة لضبط العلاقة بين الأطباء وشركات الأدوية، إضافة إلى ضرورة وضع قوانين واضحة تنظم مراحل التجارب العلمية على الإنسان أو الحيوانات، وتأسيس لجان أخلاقية مستقلّة تراجع البحوث العلمية، وتوعية المجتمع بأصول البحوث العلمية وأخلاقياتها، كي يكون التقدّم العلمي مدخلاً لسعادة البشر، وليس كابوساً في شفائهم.