ليس ضرورياً أن يستقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على موقف قاطع في دعم الرئيس السوري بشار الأسد. فنظرية «إلى الأبد» غير واردة إلا في القاموس البعثي السوري وقبله في القاموس الصدامي العراقي وهي آلت إلى ما آلت إليه في العراق قبل أن تهتز اهتزازها الشديد في سورية. لن يكون بوتين أكثر تمسكاً بالأسد من تمسكه بزوجته لودميلا التي رافقته ثلاثين عاماً من الحياة الزوجية المشتركة قبل إعلانهما أخيراً قرارهما بإنهاء تلك الشراكة. كان بوتين يرد على الأخبار عن تردي علاقته بلودميلا نافياً «الإشاعات» ومؤكداً أنها علاقة ستستمر «إلى الأبد» مستعيراً التعبير نفسه الذي يضاف إلى قيادة آل الأسد الأبدية لسورية. وهو أكد الزواج الأبدي في 2011 عندما راجت أنباء عن احتمال طلاقه وزواجه من أخرى، إلا أن نقطة النهاية حلت في مطلع الشهر الجاري فتبين أن للأبد أيضاً نهاية. مع ذلك ليس ما يشير إلى تغيير في السياسة الروسية تجاه ما يجري في سورية، وما من إشارات فعلية إلى تغيير في سياسات بلدان أخرى. الأميركيون أيضاً يغلبون التزاماتهم «الأبدية» تجاه نظام تعاونوا معه طويلاً في حماية أمن إسرائيل وضرب وتطويع «المنظمة العرفاتية» ومنع «اليسار الدولي» السابق من الرسوخ في لبنان، أما إسرائيل فشديدة الارتياح المشوب بالقلق من احتمال تغيير في دمشق، وإذا كان لا بد من إعلان موقف فالأفضل الامتثال لقرار نتانياهو منع أعضاء حكومته عن الأدلاء بتصريحات. لم تغير نتائج معركة القصير ولا انخراط حزب الله في الحرب السورية، لا في الموقف الدولي ولا في الموقف الإسرائيلي، ونسبت الأممالمتحدة في الجولان المحتل إلى الدولة الصهيونية تقديم تسهيلات بعد القصير إلى قوات النظام في القنيطرة، بهدف استعادة مواقع سيطرت عليها قوات المعارضة في المنطقة المنزوعة السلاح. أما الجانب الروسي فبدا مرتاحاً إلى سير الأمور في سورية وأكثر ارتياحاً إلى مسار العلاقات مع الولاياتالمتحدة الأميركية وإيران، وليس عتب بوتين على نظيره بشار الأسد أكثر من ملاحظات على أمور باتت من الماضي. قبل نحو عام أبلغ الرئيس الروسي المشاركين في «منتدى فالداي» الذي ترعاه الخارجية الروسية، أن السياسة الروسية في الشرق الأوسط تقوم على أولويتين: الأولوية السياسية للعلاقة مع إسرائيل والأولوية الاقتصادية للعلاقة مع تركيا، وغاب العالم العربي وضمناً سورية عن جدول الأولويات تماماً ليتم اختصار الوضع السوري بحرص على الأقليات والتزام بصفقات سلاح متفق عليها. في أخر تصريحاته لدى زيارته إلى محطة «روسيا اليوم» الموجهة خصوصاً إلى المشاهد العربي (أميركا تخصص قناة «الحرة» لهذا الغرض لكن لم يزرها أي رئيس أميركي)، يعترف بوتين أن «الإصلاحات الجدية نضجت منذ وقت طويل في هذا البلد (سورية). وكان على قادة البلاد أن يشعروا بذلك في حينه، ويبدأوا بتحقيق هذه الإصلاحات. ولو فعلوا ذلك لما حدث ما يحدث الآن هناك». إلا أن ما يخشاه بوتين الآن لم يعد استمرار المجزرة السورية بل التدخل (الذي لا يحدد مصدره) الذي يمكن أن يؤدي إلى نشوء «بقعة من الغموض والإرهاب» مماثلة لتلك «التي تشكلت على حدود أفغانستان وباكستان... حيث لا توجد أي سلطة وليس هناك سوى قواعد للمسلحين». ويمضي الرئيس الروسي مكرراً رؤيته للحل التي تتلخص «في ضرورة إعطاء الناس (في سورية) فرصة للتوصل إلى اتفاق في شأن هيكلية السلطة وكيفية ضمان المصالح والحقوق المشروعة والأمن لجميع المواطنين، وذلك قبل الإقدام على تغييرات في النظام على أساس هذا الاتفاق، وليس العكس، أي طرد الجميع ثم إغراق البلاد في حالة من الفوضى...». الفرق بين بوتين ومحاوريه الأميركيين أنه يتمسك بموقفه ويذهب في تدعيمه على الأرض إلى أبعد الحدود، فيوفر للأسد وسائل الصمود والقتال ويدافع عن سياسة إيران وتدخلاتها، إلا في تهديدها لإسرائيل، يقول في هذا السياق: «عندما نسمع تهديدات إيران للدول المجاورة، وبوجه خاص ضد إسرائيل، باحتمال القضاء عليها، نعتبرها أمراً غير مقبول إطلاقاً». وفي المقابل يواصل الأميركيون عمليات الدرس وتصنيف فصائل المعارضة السورية، مكررين مع حلفائهم الأوروبيين تحذيرات وخطوطاً حمراً يجري تجاوزها. ما من عقد لدى الرئيس الروسي الذي بقدر رفضه تصنيفه «محامياً للحكومة السورية وللرئيس الأسد»، يحرص على القول إن «لا تناقضات أيديولوجية حالياً بين روسياوالولاياتالمتحدة، والتناقضات بيننا ذات طابع ثقافي وحضاري. العقلية الأميركية تعتمد على الفكرة الفردية، فيما تعتمد العقلية الروسية على الفكرة الجماعية»،... في قمة الثماني وصف أوباما نظيره الروسي بلاعب جودو وقال عن نفسه أنه لاعب كرة سلة. لاعب الجودو يغتنم ضعف الخصم فيمسك به، ولاعب كرة السلة يقذف كرته من مسافات بعيدة. لم يتفق اللاعبان بشأن سورية، سيواصل بوتين الإمساك بخصومه عبر دعم الأسد وسيحاول أوباما «القيادة من بعد»، وسيستمر الحريق السوري.. «إلى أبد» غير واضح المعالم. * صحافي من أسرة «الحياة»