كسر اللقاء بين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون برعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان ودام زهاء ساعة ظهر امس جليد العلاقة بين الجانبين وأعاد إطلاق الحوار حول مطالب عون من الحكومة العتيدة، فيما أكدت الأكثرية النيابية التي اجتمعت امس للمرة الأولى منذ الانتخابات النيابية في 7 حزيران (يونيو) الماضي تأييدها مواقف الرئيس المكلف وجهوده لتأليف حكومة وحدة وطنية، معلنة بقاءها على انفتاحها للتوصل الى حكومة كهذه تحقق المشاركة الفعالة لكل أطياف الأكثرية والأقلية من دون ان تلغي نتائج الانتخابات النيابية. وتجنب رئيس البرلمان نبيه بري في كلمته عصر امس في مهرجان حركة «امل» في الذكرى ال31 لتغييب مؤسس الحركة الإمام موسى الصدر الدخول في أي حديث عن الحكومة مكتفياً بالقول انها «الحمد لله دخلت حلقتها الأخيرة من الحوار»، ومعلناً استمراره في الصيام عن الكلام في هذا المجال، ملمحاً الى انها «دخلت حلقات المسلسلات الرمضانية وقد تنتهي بانتهائها». وشن بري هجوماً على الزعيم الليبي معمر القذافي محملاً إياه مجدداً مسؤولية تغييب الإمام الصدر، مطالباً إياه بإطلاق سراحه. واستغرب «أن يتولى بعد أشهر رئاسة القمة العربية وهو يقف من على أعلى قمة الجريمة «المنظمة»، معتبراً ان «النظام الليبي وإسرائيل وحدهما لا تطبق عليهما العدالة الدولية». وطالب النظامين العربي والإسلامي بتولي مسؤولية قضية الإمام الصدر ليصبح النظام الليبي طريد العدالة العربية والإسلامية، بعد اللبنانية، وشكر إيران لاهتمامها بالقضية. ولم يفت بري التأكيد انه ما زال يؤمن بأن «معادلة س - س (تقارب السعودية وسورية) تشكل المدخل لاستقرار لبنان عبر الطابق العربي» من دون الانتقاص من اهمية أو مرجعية أي بلد عربي، مشيداً بدور قطر في حل الأزمة قبل الانتخابات الرئاسية. وقال بري ان مشاركة حركة «أمل» في الحكومة اللبنانية لن تكون على حساب اهدافها، مؤكداً انها سترسخ حضورها كحركة محرومين. وطالب رئيس الجمهورية باعتماد موضوع الأزمة المالية والاقتصادية وقضية الدين اللبناني كبند على جدول أعمال الحوار الوطني اللبناني، والحكومة اللبنانية المنتظرة بإعلان حالة طوارئ اقتصادية. اما بالنسبة الى لقاء الحريري مع عون برعاية سليمان، فقد أعلن كلاً منهما انه شكل بداية للبحث في تذليل ما وصفاه بالصعوبات الكبيرة التي ما زالت قائمة. وأكد الحريري وعون في تصريحين منفصلين انهما سيواصلان الحوار بعد عودة الثاني من السفر بعد بضعة ايام بدءاً من اليوم، فيما أشار عون الى ان هناك مَن بإمكانه متابعة الاتصالات من قبله إذا تطلب الأمر ذلك في غيابه. وشكّل الاجتماع بداية للحوار. وقالت مصادر اطلعت على جانب منه ل «الحياة» ان عون أعرب في بدايته عن انزعاجه من التصريحات التي تناولته من نواب في الأكثرية، وذكر اسمَي النائبين بطرس حرب وأحمد فتفت. وأشارت المصادر نفسها الى ان الحوار عاد فانطلق حول ضرورة التوصل الى توافق بعد ان انتقد عون الحملات عليه، فيما شدد الحريري على انه يلتزم الصمت منعاً لعرقلة التأليف منذ البداية. وخلال الاجتماع الذي ضم نواب الأكثرية بعد الظهر في دارة آل الحريري قالت مصادر نيابية ل «الحياة» ان الرئيس المكلف أبلغ بعض النواب ان اجتماعه مع عون يفترض ان يكون عادياً وفي السياق الطبيعي، لكنه بدا على أنه إنجاز بعد الذي حصل خلال الشهرين الماضيين من الحملات. كما دعا الحريري الى عدم الاستخفاف بإنجاز الاتفاق على صيغة الحكومة 15+10+5 في الأسابيع الماضية، والتي أدت الى تجاوز مطلب المعارضة بالثلث المعطل وبالنسبية في التمثيل. وأوضحت مصادر نيابية أن الحريري أكد لبعض النواب الذين استفسروا منه عن اجتماعه بعون «اننا الآن في طور تشكيل الحكومة (بالحقائب والأسماء) ونتجه للاتفاق عليها كأكثرية وحركة «أمل» و «حزب الله» وهي شبه منتهية بنسبة 90 في المئة، وتبقى معالجة مطالب العماد عون. وعلمت «الحياة» ان الحريري لم يتناول مضمون اجتماعه مع عون خلال الاجتماع الموسع لنواب الأكثرية الذي حضره رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، وتغيّب عنه الرئيس نجيب ميقاتي والنائب أحمد كرامي اللذان اصدرا بياناً ساندا فيه الحريري وأيدا مواقف الأكثرية وآثرا الابتعاد عن الاصطفافات، وتغيب نائبان آخران بداعي السفر. وعلمت «الحياة» من مصادر نواب الأكثرية ان الحريري شكر هؤلاء على دعمه وكذلك شكر رئيس الجمهورية على رعايته لقاءه مع عون، مؤكداً انه مد اليد لزعيم «التيار الوطني الحر» بعد تكليفه تأليف الحكومة ومن ثم خلال المشاورات وبعدها في دعوته الى الغداء والآن نستمر في مد اليد «وإذا استمر التعطيل فهو لمصلحة من؟». وذكرت المصادر نفسها ان الحريري أكد ان «خيارنا مع اللبنانيين هو الانفتاح لا سيما في ظل أجواء الفتن الكبرى في المنطقة العربية»، مشيراً الى ما يحصل من اضطرابات في العراق واليمن والسودان والصومال. وأوضحت المصادر ان الحريري شدد على «أننا لا نقبل ان يهدر حق أي طائفة من الطوائف وفي الوقت نفسه لا نقبل المس بالدستور واتفاق الطائف». وقالت مصادر مقربة من المجتمعين ان الحريري استهل الاجتماع بالحديث عن الإفطار الذي يقيمه بعد غد الخميس في دارته وتشارك فيه القيادات الروحية والشخصيات السياسية من نواب ووزراء حاليين وسابقين من الطوائف الإسلامية الأربع السنة والشيعة والدروز والعلويين. وتوجه الحريري الى النواب المسيحيين في الأكثرية مطمئناً بأن دعوة المسلمين على تنوعهم الى الإفطار «ليست لتحضير الأجواء أمام اتفاق إسلامي على غرار الاتفاق الرباعي السابق، وأنها لا تتعدى الرغبة في ايجاد جو انفتاحي وتواصلي بين المسلمين في ظل المخاوف من الفتن المتنقلة في المنطقة والتي تستدعي منا الانفتاح والتواصل من مواقعنا السياسية بغية الحفاظ على الاستقرار العام وتكريس جو من التهدئة لمواصلة الجهود لتنفيذ الاحتقان الطائفي والمذهبي في الشارع الإسلامي، باعتبار ان الاختلاف السياسي لا يبرر تهديد السلم الأهلي». وأضاف: «لذلك لا نية لدينا لقيام حلف إسلامي في وجه المسيحيين وأن الدعوة لن تغير من تحالفاتنا». وأثنى النواب على موقف الحريري، ونقل الحضور عن جنبلاط قوله ان خطوة الحريري مفيدة لتكريس المصالحات والتهدئة في ظل ما لدينا من مخاوف من المحاولات الجارية لتفتيت المنطقة. وكان البيان الصادر عن نواب الأكثرية أكد التزام الدستور في تشكيل الحكومة، معتبراً ان انفتاح الأكثرية على حكومة وحدة وطنية «لا يعطي أي جهة سياسية حق فرض شروط على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف». وتمنى البيان عدم زج المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في السجال السياسي الداخلي. وكان الحريري ابلغ نواب الأكثرية انه سيتواصل خلال الساعات المقبلة مع «حزب الله» والرئيس بري. وليلاً أشار الحريري في إفطار رمضاني الى اجتماع نواب الأكثرية «لتؤكد مجدداً انها الأكثرية، مهما قال الآخرون أو حاولوا ان يسوقوا بأن ليس هناك أكثرية». أضاف: «كحلفاء قد نتمايز عن بعضنا، ونحن قادرون على حل الأمور السياسية»، وأوضح ان «أحداً لن يلغي احداً». ودعا الى التحلي بالحكمة وقال: «تحملنا كل الآلام الماضية وحكّمنا عقلنا للمحافظة على البلد». وشدد على «اننا اكثرية ولن يستطيع احد ان يغير هذه الحقيقة. لقد مددنا يدنا وستبقى يدنا ممدودة لأن هذه هي مدرسة رفيق الحريري». وختم قائلاً: «هناك كثيرون يتهجمون على المحكمة الدولية، وأنا قلت عند انشائها اننا عشنا اربع سنوات من التشكيك حتى أنشئت المحكمة بالفعل، والآن سنعيش مرحلة أخرى من التشكيك بنتائج المحكمة، وقد بدأوا فعلاً بذلك. لكن لا تخافوا، المحكمة اصبحت في لاهاي، ومن يريد شيئاً منها فليدق باب لاهاي». وصدر عن حزب الكتائب بيان استهجن ما صدر عن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) النائب محمد رعد، الذي هاجم دعوة رئيس الحزب امين الجميل الى مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل لاسترجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وتحدث عن بعض «الساقطين». ورأى الحزب ان «عبارات النائب رعد تكشف نوايا الاستئثار بالقرارات السيادية والمصيرية». وسأل «كيف يكون مسموحاً للحزب الذي اجرى مفاوضات غير مباشرة مع العدو الإسرائيلي بمعزل عن الدولة لإعادة رفات شهدائه ان يرفض الدعوة الى القيام بالمثل لاسترجاع أراض لبنانية محتلة من العدو الإسرائيلي». وأكد البيان تأييد مواقف رئيس الجمهورية.