«لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْأَلُونَ». لا تنفك هذه الآية البليغة في سورة الأنبياء من كتاب ربنا المعجز عن تضح وتحرج بعض من ينسبون ويحسبون على الملة المحمدية، الذين يتناسون – في جهل وكبر وحمق - شرف عبوديتهم لله، وبشريتهم، ويتصرفون تصرفاً لا يليق إلا بالله، عز وجل. إن حال بعض هؤلاء في استباحتهم مال المسلمين، أو معاملاتهم مع الآخرين، أو في بعض شؤونهم و احتفالاتهم الخاصة تشير بجلاء واضح إلى الكثير من ذل العبودية للهوى، واللامبالاة، واحتقار الخلق، واستغبائهم، وكأني بهم يظنون أنفسهم لا يُسألون عما يفعلون، وهم، كلهم، نعم كلهم تعني كلنا وكلهم، صغيرهم وكبيرهم، سابقهم ولاحقهم، يسألون عما يفعلون. كنا نعتقد أن في أحداث الربيع العربي ومفاجآته، والفتن المحدقة بأمتنا وبلادنا، نذراً كافية للعاقل، وهزة موقظة للغافل، ودروساً بليغة للأمة الإسلامية عموماً، ولحكامها ولرؤسائها وولاة أمورها على وجه الخصوص، لكننا نأسف حين نرى ما يوحي بأن البعض ما زال على غيه القديم، وكبريائه المعهودة، ويحسب نفسه في منأى ومعزل عن رياح التغيير، متناسياً أن الظلم مؤذن بالزوال، وليله قصير قصير، وسنة الله غالبة، لا تتبدل، ولا تتحول. فذا يقتل شعبه بلا هوادة، ويستحيي نساءه، ويقتل أطفاله، ويسجن منه كل من يخالف ظلمه، ويحاصره، ويدمر منازله ومساجده ومزارعه، ويخرجه من دياره، وتراه يفعل كل هذه المخازي بلا خجل من رقيب، أو خوف من حسيب. ألم ير ذا وغيره كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب. إن كانت عبر الماضي لا تؤثر في هذا وأمثاله، وعذره أنه لم يبصرها، أو لا يذكرها، فكيف حاله مع عبر اليوم والأمس القريب، فها هي عروش بعض الظالمين من حولنا قد هزت، فقتل بعضهم، وهرب الآخر، ونفر عنهم القريب، وخذلهم حرسهم وحشمهم وحاشيتهم وكل من كان يصفق لهم وينافقهم في أمسهم الظالم وتاريخهم المعيب، أما في هذه الحال عبرة لمن يعتبر؟ يا حسرة على العباد، ما يأتيهم من نذير إلا وهم عنه غافلون. ويا لخوف وطننا من عودة بعض من تاب إلى مزالق الإرهاب، وليس للظلم والظالم ونقض العهود في دين الله الحق حجة أو معذرة، ولكن محروم العلم – دائماً وأبداً - قصير النفس، وقليل الصبر، وحار الطبع، وسريع الاستثارة، وسهل التهييج أمام قصص الظلم والفساد والبذخ والتلاعب جهاراً نهاراً بأموال المسلمين. إن هذا نداء للعقلاء والحكماء وذوي البصيرة، وهم ولله الحمد كثر لدينا، من لدن ناصح محب ومشفق رفيق، يرى الخير ويشكره ولا ينكره، ويخاف على هذه القرية الآمنة المطمئنة، التي يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، أن تكفر بأنعم الله، حين تغض الطرف عن أمر مترفيها، فيذيقها الله لباس الجوع والخوف. ألا ما أحوجنا إلى الرجوع إلى خطى التأسيس الموحدة، والإفادة من حكمة ذاك الرعيل الأول من أمثال الشيخ ابن إبراهيم حفيد دعوة التجديد، وابن حميد، وابن باز، وابن عثيمين، وابن جبرين وغيرهم من الذين لا يستثنون ولا يحابون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم بحكمتهم يعرفون أن أجمل وأثمن ما في العقد واسطته، فإن زهت زها وزان كل العقد، وإن أهملت فعندئذ يخشى على العقد كله من الانفراط.