لقد قدم المؤسس لهذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن درساً واضحاً وعملياً في التعامل مع التشدد الديني، فقد أعطى بحسه السياسي تلك الجماعات المتشددة جميع الفرص للتراجع والدخول في مشروع الدولة الحديثة، ولكن تلك الجماعات المتشددة فهمت مواقف الملك عبدالعزيز بأنها تدل على الضعف، مما دفع الأمور إلى التصادم العسكري الذي لم يتردد المؤسس في القضاء على ذلك الفكر المتشدد، مما أعطي المؤسسة السياسية في المملكة أن تؤسس للدولة الحديثة رغم الممانعات من هنا وهناك ولكنها لم تنتهج العنف في مواجهة الدولة، وفي الثمانينات من القرن الماضي وقعت حادثة جهيمان التي عبرت عن أفكارها بطريقة إرهابية مسلحة، وقد تم القضاء على تلك الحركة بشكل جذري، خصوصاً أن تلك الحركة لم يكن لها امتدادات في الداخل السعودي، حيث كانت معزولة عن محيطها الاجتماعي الطبيعي مما سهل التعامل مع تلك الفرقة التي كانت اقرب إلى الفرق السرية الإسلامية، ولكن ذلك الحدث كان له تأثيرات قوية في النكوص عن التحديث في مجتمعنا، وقد تكون أحداثاً إقليمية جعلت المؤسسة السياسية تراجع برامجها التطويرية وتبطئ من السرعة في عملية البناء الحديث للمجتمع، فقد كانت هناك الثورة الإيرانية التي جعلت دول المنطقة تراجع أجنداتها، خصوصاً أن إيران الثورة أدخلت المنطقة في تأزم استمر ولا يزال له وجود قوي، فالكل منا يتذكر المظاهرات والتفجيرات التي حدثت في دول الخليج، سواء في الكويت أو في الأماكن المقدسة في المملكة التي قام به الإيرانيون، أو من جماعات مرتبطة مع إيران الخميني في تلك المرحلة، وقد بلغ التأزم أوجه عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، ثم حدث الاحتلال السوفياتي لأفغانستان الذي كان له قراءات متعددة في منطقتنا وحتى بعض القوى الكبرى التي عملت على استغلال الدين في السياسة في مرحلة الحرب الباردة في محيطنا المحلي، كان لتلك التجربة الكثير من التأثير السلبي على مجتمعنا، نعم عاد الكثير من أبناء هذا المجتمع كمواطنين صالحين ولكن هناك الكثير منهم من تأثر بأفكار التيارات الإسلامية المتشددة، فكان هناك ما يُسمى مرحلة الصحوة التي في اعتقادي سيطرت على المجتمع وعلى أهم مفاصله، مثل التعليم بجميع مراحله، إضافة إلى سيطرتها على الخطاب الديني مما دفعه إلى درجة من التشدد ثم التطرف على خلفية أحداث سياسية حدثت في المنطقة، ومن أهمها احتلال دولة الكويت، حيث وجدنا الانشقاق من هذه التيارات السلفية على مجتمعنا وبدأت تكفره وتدفع به إلى الانغلاق الفكري والاجتماعي والسياسي. الكل يتذكر كيف سيطرت تلك الجماعات المتشددة، وبفضل ثورة الكاسيت والمنابر، على الخطاب في منطقتنا، وقد عملت المؤسسات السياسية بشكل ناعم في التعامل مع تلك الجماعات وأفكارها المتشددة، وقد وضحت الصورة بشكل أدق بعد أحداث 11 من (أيلول) سبتمبر، حيث عادت هذه الجماعات لضرب العالم اجمع، بعد كل هذا يتضح أن التيارات المتشددة وصلت إلى قناعة أن السلطة هي هدفها مغلفة أهدافها بخطاب شعبوي ينطوي على العامة، لذا علينا بأن نعي أن المحافظة على المقومات الرئيسة لديننا هو أمر منصوص عليه في القرآن والسنة. في هذه اللحظة الزمنية التي يتعرض لها هذا الوطن لخطر حقيقي متمثلاً في استهداف احد قياداته الأمنية وهو الأمير محمد بن نايف، التي نحمد الله على سلامته، وأن مخططات الارهابيين قد انقلبت في وجوههم وقد جنب البلاد شر تلك الفئة الباغية. إننا في حاجة إلى مشروع وطني للتعامل مع التشدد والتطرف في خطابنا الديني، وقد يكون التعليم هو المدخل الرئيس للبدء في هذه الاستراتيجية، إن تفعيل أجهزة رسمية في هذا السياق مثل الحوار الوطني والإعلام وإعطاء مساحة متساوية لجميع الأفكار والتوجهات هو بداية الحل. [email protected]