لندن، واشنطن، برلين، موسكو - «الحياة»، رويترز، أ ف ب - التحول الذي طرأ على الموقف الأميركي إزاء سورية بإعلان البيت الأبيض قراراً بتسليح المعارضة السورية بعد اتهامه نظام الرئيس بشار الأسد ب «تجاوز الخط الأحمر»، شجع دولاً أخرى على الحديث عن ضرورة ممارسة كل الضغوط، بما في ذلك العسكرية، لإجبار دمشق على التفاوض على مرحلة انتقالية. وفي حين اعتبرت الصحافة الأميركية أن قرار الرئيس باراك أوباما جاء رداً على انخراط «حزب الله» وإيران إلى جانب القوات النظامية في السيطرة على مدينة القصير والاستعداد لمعركة حلب، تحدثت مصادر أميركية وأوروبية عن احتمال فرض منطقة حظر جوي في سورية عبر نوعية السلاح المقدم إلى المعارضة، ومن دون انتظار صدور قرار بهذا الخصوص عن مجلس الأمن يحول دونه الفيتو المزدوج الروسي - الصيني. وفيما رحب «الائتلاف الوطني السوري» المعارض بالقرار الأميركي، مطالباً ب «دعم استراتيجي وحاسم»، اعتبرت دمشق بيان واشنطن «حافلاً بالأكاذيب»، وساندت موسكو حليفها في دمشق بالقول إن الأدلة الأميركية «غير مقنعة»، وحذرت من تكرار «سيناريو العراق». وواكب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس الموقف الأميركي، وقال في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر، إن «البيت الأبيض أكد ما كانت فرنسا تعلمه عن وجود أسلحة كيماوية (لدى النظام) واستخدامها، حتى لو كنا لا نعرف حجم هذا الأمر». وأضاف أن «كشف ذلك يؤكد ضرورة ممارسة ضغط على نظام بشار الأسد، ولو كان ذلك ضغطاً عسكرياً»، مكرراً ضرورة إيجاد «حل سياسي» يشمل تنحي الرئيس السوري. وفي إشارة إلى تزويد المعارضة السورية أسلحة، شدد هولاند على وجوب الطلب «من المعارضة أن تكون واضحة في شأن توجهاتها واستخدام الأسلحة». وأوضح أن فرنسا ستبرز خلال قمة مجموعة الثماني التي تشارك فيها روسيا «أخطار استمرار المجازر التي ترتكب اليوم وأخطار التطرف لدى الطرفين» المتنازعين في سورية. وقالت مصادر فرنسية مطلعة ل «الحياة»، إن المطلوب أن يمر الدعم المادي للمعارضة عبر قيادة أركان «الجيش الحر» برئاسة اللواء سليم إدريس، المعروف باعتداله وسعة اتصالاته على الارض. في المقابل، أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إنه «ليس هناك حل عسكري» للنزاع السوري، مضيفاً في تعليق على القرار الأميركي، أن «تسليم الجانبين مزيداً من الاسلحة لن يحسن الوضع». أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورغم تأكيدها أن موقف بلادها الرافض تسليح المعارضة السورية لم يتغير، فقد دعت إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن لمناقشة الكشف الأميركي عن استخدام سلاح كيماوي، وقالت: «نأمل أن يصل المجلس إلى نهج موحد»، مضيفة أن السعي إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لا يزال الخيار الأفضل. واستبق الموقف الأميركي أعمال قمة مجموعة الدول الثماني في إرلندا بعد غد ولقاء اوباما مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان أوباما حسم موقفه بعد نحو عام من التردد. وأعلن المستشار الرئاسي بن رودس عزم واشنطن على «تقديم مساعدات عسكرية للمعارضة» وأنها «ستكون مختلفة في الوزن والعيار عن السابق»، وعزا القرار إلى تخطي النظام السوري «الخط الأحمر»، مؤكداً أن واشنطن حصلت على «أدلة قاطعة وثابتة» على استخدامه السلاح الكيماوي ضد الثوار. ووفق البيان، فإن وكالات الاستخبارات «تعتبر أن ما بين 100 إلى 150 شخصاً قضوا جراء هجمات بأسلحة كيماوية في سورية تم رصدها حتى الآن. وبناء عليه، فإن المعلومات حول الضحايا هي غير كاملة بالتأكيد». ولم يوضح المسؤول الأميركي ما إذا كانت الإدارة ستختار الذهاب باتجاه تسليح المعارضة السورية مباشرة. لكنه قال إن الرئيس «سيتشاور في هذه الأمور مع الكونغرس خلال الأسابيع المقبلة». وأضاف أن «الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي لديهما عدد من الردود القضائية والمالية والديبلوماسية والعسكرية الأخرى المتاحة». غير أن صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت عن لسان مسؤولين أميركيين، أن التسليح جاء إضافة إلى استخدام الأسد غاز السارين، كرد على مكاسب النظام في الفترة الأخيرة ودخول كل من «حزب الله» وإيران بقوة على خط المعركة. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أمس، أن واشنطن تدرس بجدية خيار فرض حظر جوي بناء على أدلة استخدام السلاح الكيماوي. وسيشرف على توزيع السلاح وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي)، التي بذلت جهداً مضاعفاً في الفترة الأخيرة في تحديد المجموعات المعارضة التي يمكن التواصل والتنسيق معها. وأطلعت واشنطنموسكو مسبقاً على المعلومات التي بحوزتها عن استخدام الكيماوي، لكن هذه اعتبرتها «غير مقنعة» وحذرت من ميل واشنطن نحو التصعيد في سورية. وانتقد الكرملين قرار تسليح المعارضة، واعتبر أنه «لا يسهِّل عقد مؤتمر جنيف-2»، لكن موسكو أكدت في الوقت ذاته أنها لن تسرّع تنفيذ عقد تزويد نظام الأسد صواريخ «أس-300». وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي النائب أليكسي بوشكوف في تغريدة على حسابه على «تويتر»، إن «المعلومات حول استخدام الأسد «الكيماوي» مختلقة، في المكان نفسه الذي اختلقت فيه الأكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل لدى (صدام) حسين». من جهة أخرى، رحب «الائتلاف الوطني السوري» المعارض بالمساعدات الإضافية التي أعلنت عنها الولاياتالمتحدة «بما فيها الدعم العسكري المباشر الذي يجب أن يكون استراتيجياً وحاسماً في وضع نهاية للعنف والوصول إلى حل سياسي يضمن تحقيق تطلعات الشعب السوري» بعدما اعتبر قرار أوباما «خطوة مهمة ستساهم في تهيئة الظروف المطلوبة لتحقيق ذلك». فيما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية اعتباره بيان البيت الأبيض الأميركي إزاء السلاح الكيماوي «حافلاً بالأكاذيب»، واستند إلى «معلومات مفبركة» بهدف «تبرير تسليح» المعارضة السورية». وانعكس الموقف السوري على معنويات المقاتلين في المعارضة، إذ سيطروا على حاجز عسكري عند البوابة الشرقية لمدينة إدلب في شمال غربي البلاد بعد ثلاثة أيام من المواجهات مع قوات النظام، فيما قصف مقاتلون آخرون مراكز لقوات النظام في الشمال وصدوا هجوماً للجيش النظامي وأنصاره في ريف حلب. في المقابل، كثفت قوات النظام قصفها على مناطق مختلفة في البلاد، مركزة على حرق المحاصيل الزراعية. وفي ريف دمشق، قال معارضون إن عناصر «الجيش الحر» قتلوا عشرات الأفراد من قوات النظام وأنصاره في مكمن في بلدة المنصورة قرب طريق مطار دمشق الدولي. وجددت قوات النظام محاولة اقتحام حي برزة البلدة في العاصمة تحت غطاء من القصف الجوي.