استضاف مسرح «هاني صنوبر» في المركز الثقافي الملكي في عمّان، العرض المسرحي الأول لفرقة «رؤى المسرحية للثقافة والفنون»، التي أعلنت انطلاقتها أثناء رعايتها احتفال اليوم العالمي للمسرح في آذار (مارس) الماضي، مقدمةً نفسها على أنها «إضافة نوعية جديدة في الحراك المحلي»، وفق رئيستها نادرة عمران. ويكشف العمل وعنوانه «حلم ليلة ربيع عربي»، الخيبة من نتائج الثورات، سواء على مستوى البناء السطحي أو النداءات الخفية للأبنية المضمرة. وتقول مؤلفة النص نادرة عمران ل «الحياة» إن «الحراكات التي قادت الربيع العربي، رفعت شعارات طموحة وحالمة جداً، لكنها لم توصل المواطن إلى المستوى المطلوب، ولم تُرجعه في الوقت ذاته إلى الأرض، فظل معلّقاً». يوضح مخرج المسرحية، العراقي علي شيبو، في صوغه لشكل المسرحية الذي جاء حقلاً من العلامات السمعية والمرئية، ما أوردته عمران بقوله: «يمكن أن نسمّي العمل شهقة غضب ضد تداعيات الربيع العربي لأنه ضيّق الخناق على ما هو جميل من القيم وعزيز من المبادئ، وبدلاً من ذلك ظهر التعصب الديني والقومي». ويضيف أن رؤيته الإخراجية قامت على البساطة في إنشاء نظام التواصل بين الجمهور وأحداث المسرحية: «انشغلتُ في إنشاء التشكيلات السمعية والمرئية على المسرح بعيداً من التزويق والبهرجة، معتمداً على أداء الممثل في خلق المناخات والأجواء التي تخدم الرؤية الإخراجية». اعتمد العرض على الممثلَين المحترفَين زهير النوباني ونادرة عمران، فخفتت جماليات السينوغرافيا والإضاءة نسبياً لمصلحة قوة الأداء. وتدور أحداث العمل في مستشفى للأمراض النفسية في مدينة عربية، واضطهاد الإدارة لمجموعة من المرضى. وتبقى الأمور على ما هي عليه، إلى أن يثور المرضى على حياة البؤس والإذلال التي وجدوا أنفسهم فيها، ويعلَن عن مجيء إدارة جديدة للمستشفى، ليكتشفوا أنها تشبه الإدارة القديمة، فيُصابون بالإحباط مرة أخرى، لكنه يصل هذه المرة إلى أعماقهم النفسية. وبذلك، فإن المجريات في السياق الرمزي المضمر للعرض، تُصور واقع المجتمعات العربية راهناً. بَرع النوباني وعمران، في تقديم شخصيتين محطّمتين نفسياً هزمتْهما ظروف الحياة، وبدا فعلهما، خصوصاًً الداخلي، جذاباً في رسم ملامحهما، لأن الأداء تأسس على العامل النفسي المركب، فغدت هاتان الشخصيتان حيّتين بجاذبية الأداء لكل منهما. إلا أن توظيف الإخراج لتقنية الذاكرة الانفعالية، كأداة رئيسة لكشف عوالم الشخوص، كان له الأثر الناجح في العودة إلى الوراء - فترة الخمسينات والستينات - حيث الانكسارات التي بدأت بعد أوهام «المد القومي الخالي من البعد الديموقراطي» الذي ساهم في خلق «شخصية عربية مهزوزة»، تنأى أفعالها يوماً بعد آخر عن المسار الحضاري للشعوب، خصوصاً في فقدان عامل التنمية، والعزوف عن الحريات وفق أبنية المسرحية. تقول عمران التي جسدت حالة إنسانية حالمة بالحرية: «نقدم في العادة أدواراً تطرح الرسائل العميقة، لا الرسائل السطحية لنص العرض، لكننا في هذه المسرحية أردنا إيصال الرسالة مباشرة، وفق لمسة فنية خاصة». ويلفت النوبان، الذي قدم شخصية محطمة بفعل وطأة القوانين الاجتماعية والسياسية، إلى أن أداءه «تأسس على التقمص التام لمزاج الشخصية وهواجسها وثقافتها، وما يمور في وجدانها». ويضيف: «طاولت المعالجة الدرامية معاناة الإنسان العربي في ظل القهر والظلم الفادحين، هذا الإنسان الذي يحلم بتحقق الحرية والديموقراطية، ويشعر بفقدان الأمن الاقتصادي والاجتماعي». يذكر أن تصميم الأزياء لعب دوراً رئيساً في رسم الشخوص لجهة مظهرها الخارجي أثناء اندفاعها على خشبة المسرح: العجوز (نادرة عمران)، والعجوز (زهير النوباني)، والمريض النفسي الفلكي راسم الخرائط (محمد الإبراهيمي)، والمريضة النفسية (ميري مدانات)، والممرضة (راكين سعد)، والممرض (عمر عرفة). وساهم العزف الحي للموسيقي عبدالرحيم دخان على الكمان في إنشاء المناخات والأجواء الخاصة بكل مشهد من خلال الجمل الموسيقية، عبر الألحان المتوترة والسريعة التي رافقت تأجيج الصراع بين المرضى وإدارة المستشفى، وتارة أخرى خففت وتيرتها ذاهبةً في اتجاه استحضار أجواء الرومانسية بين شخصيتَي العرض الرئيستين.