لوحات ميراي قصّار هي أقرب الى إعلان للسكون والتأمل منها الى ما ألفنا متابعته في المعارضِ الأخرى. كأنّ الرسامة اختارت أن تعلن مواقفها الهادئة ضد زمن الصراخ والضجيج والعبث. تتناثر لوحات ميراي قصار في معرضها الأوّل في بيروت (غاليري «أجيال» حتى 28 الجاري)، لتجعل الزائر مأخوذاً بها كيفما مشى في صالة العرض. إنها لوحات من ورق مصنوع بالايدي، بعضه من اليابان وبعضه من التيبت. أوراق لا تتشابه وإنما تتميّز بروح خاصة وكأنّ كلّ ورقة منها جاءت على صورة من صنعها. تتأمّلها فتتراءى لك اليدان اللتان عركتهما وعجنتهما ومدّتهما. اللوحات رُسمت أيضاً بألوان من أصباغ طبيعية، وهذا ما يجعلك تشعر بأنّ المعرض استثنائي بكلّ المقاييس، إذ لا يُمكن وصفه بأكثر من أنّه معرض خارج عن المألوف، أكان بمواد صناعة اللوحة أم في تأليفها. الدفء، الإحساس، اللانهاية، الحداثة، الغرابة... هي أبرز الصفات التي يُمكن أن تختصر جوّ المعرض. إحساس ميراي قصّار الهادئ ينعكس بشفافية على أوراقها، كأنّ ريشتها لا تريد ان توقظ الأوراق من غفوتها وسباتها، فتلامسها برقة وتلونها من دون أن تفقدها شخصيتها وخصوصيتها. بعد تأمّل لوحات المعرض بانورامياً، يتولّد لديك إحساس بأنّ هذه الاوراق - التي منها صنعت الفنانة لوحاتها - هي ملساء حيناً ومجعدة في أحيان كأنّها تجمع بين عناصر الطبيعة المتناقضة. فهي تحمل ألوان الارض والسماء من دون أن نشعر بهيمنة اللونين الازرق والاخضر، وكأن ميراي، في لحظة توحّد، قرّرت جمع الأرض والسماء معاً بلون يقرب في طبيعته إلى لون الإنسان، أي بشرته. من هنا نجد أنّ الألوان التي تطغى على معظم لوحات ماري هي ألوان البشرة الانسانية بكل تنويعاتها، بحيث تحسّ أنّ الجسد يفترش فضاء اللوحة، فيغدو سماء وغيماً وحقلاً وطائراً. تقترب الالوان من الاسود والابيض من دون الوقوع فيهما، ويسيطر ذاك الرمادي والبني الفاتح الذي يشوبه احياناً احمرار من غير أن تسمح له الرسامة بالتمدّد. إنّه غشاء يتربع بهدوء على صفحات أوراقها كما يتربع الصوفي المتأمل في قلب الطبيعة. «منطق الطير» هو العنوان الذي اختارته ماري قصّار لمعرضها. والمفارقة أنّ قصّار لم ترسم الطيور في لوحاتها، وإنما مجرّد فضاءات صافية وملبدة، رحبة وضاغطة... فضاءات تكاد ترى فيها ريش طائر أو بقايا صراع بين طيور، أو ربما تهشّم اوراق اللوحة وتمزقها احياناً، وكأن مساحة اللوحة لا تتسع لتأملاتها فتفتح نوافذ لعوالم اخرى. هنا تحضر روح «منطق الطير» للشاعر الصوفي الفارسي الكبير فريد الدين العطار. معرض ماري قصّار يُدخل زائره في عالمها هي، يأخذك بعيداً الى أجواء افلام معينة كفيلم «الملك لير» المستوحى من نص مسرحي لشيكسبير. لوحات لها مزاجها الذي يفرض نفسه عليك فيسحرك ويجذبك نحوه. ومن دون تكلّف، تُشعرك ميراي قصار، بضربة ريشتها فقط، أنّ ما يلون الحياة هو تلك الاضافة على الطبيعة، من الطبيعة الانسانية نفسها.