لم تشأ بعض الدول العربية خوض غمار حروب الدول المجاورة وثوراتها من أجل التغيير بشكل مباشر وهي قادرة لو شاءت ذلك، احتراماً لخصوصية هذه الدول لكي لا تبوء بما لا يحمد عقباه، ليس على المدى القريب فحسب بل على المدى الطويل أيضاً، فذاكرة التاريخ لا يمكن أن تُمحى مهما تقادم الزمان، بينما تسارع البعض الآخر إلى الوقوف مع الأطراف المتنازعة في مد يد العون لوجستياً وعاطفياً بهدف سياسي وطائفي وآخرون اندفعوا بحمية طائفية للتدخل بالسلاح واستعراض العضلات، كما يفعل حسن نصرالله في سورية، بعدما ارتأى خلو الساحة له من جهته وشروع إيران باتخاذ التدابير العسكرية مع حلفائها العراقيين لاجتياح الأراضي السورية نصرة لبشار الأسد وشيعته الذين كانوا يعدون إلى وقت قريب قلة غير ظاهرة لولا مكنة السلاح وبطش النظام البعثي المجير لحساباتهم السياسية الخاصة، رغماً عن أنف الأكثرية السنية. أنا هنا لا أتحدث عن حرب طائفية مفتوحة على كل الجبهات، ولا عن حياة مستقرة لطوائف يتقاسمون أرضاً واحدة وأقداراً متشابهة، يكتسبون احترامهم من مواطنتهم داخل الحيز الجغرافي الواحد، بل أتحدث عن القطار الذي خرج عن القضبان وأحدث خلخلة غير منطقية يذهب ضحيتها العُزل من الأطفال والنساء والعجائز، كنا نتمنى من حسن نصرالله أن ينفذ تهديداته اليومية لإسرائيل ليل نهار، وينتقل من طريقته البدائية في الحرب من اختطاف ومناوشات بالكاتيوشا، ويصادق على وعوده بتحرير المناطق الجنوبية اللبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، الموازنات الحربية عند نصرالله تعتمد في المقام الأول على الدعاية الفجة باستغلال المشاعر الدينية والحماسية، لذلك هو حكيم جداً على منبر الخطابة الجماهيرية، يتحدث عن الشرفاء، وعن الإنسان، يتحدث عن الخسارة الأخروية، يتعهد إسرائيل ومع ذلك لديه استعداد كأي زعيم عربي نرجسي أن يدمر شعبه وأرضه فقط لإرضاء غروره كي يظل ممجداً لدن السذج. نتذكر جيداً عملية «الوعد الصادق» عام 2006، التي وقفت الشعوب العربية إلى جانب حسن نصرالله فقط لأنه يواجه العدو الإسرائيلي بما سماه الوعد الصادق، وذلك من خلال الترصد لجنود العدو الإسرائيلي وأسر ما شاء أن يأسر وعادة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، وهنا تنكشف القيمة الإنسانية بين العدو الذي يثور ليثأر لحفنة من جنوده وبين من يتحرك من جهته بإدعاء فج غير عابئ بما سيلحق ببلده من تدمير ودمار للشعب والأرض، كما حدث للجنوب اللبناني بعد عمليته الوعد الصادق، وهو بذلك يتحرك بإدارة إيرانية مباشرة بغية إيجاد حال من الهلع وعدم الاستقرار في المنطقة بما لا يسمح للحكومة اللبنانية بمفاوضات مباشرة مع العدو الإسرائيلي لإعادة الأراضي اللبنانية والسورية المحتلة. بهذه التصرفات الهوجاء يضع المنطقة بين كفي عفريت، ليظل متسيداً في مكانه، محمياً بجيش طائفي يضغط بكل قوته على اللبنانيين، وفي كل مبادرة عشوائية يقوم بها يصفق له ملالي إيران، ويطبل له بشار الأسد وحزبه بتمجيد طائفي نتن لا يخدم سوى الوجود الإيراني بالمنطقة الذي مذ عرفناه وهو يقاتل بسلاحه على أيدي أعوانه وأحزابه في محاولات جادة لتدمير العالم العربي وتفكيكه وهي استراتيجية سياسية بعيدة المدى آلت إيران على نفسها الاستمرار بتنفيذها حتى يؤول الأمر إليها ويكون لها اليد الطولى المتحكمة بالمنطقة، ونحن نعلم، وهذا ما يجب أن يفهمه الجميع، أن إيران ليست حفية بالشيعة العرب كما يظنون، فذاكرتنا لم تمحُ بعد محاولات إيران للتصفية العرقية التي يقع تحت طائلتها شيعة الأهواز، هذا مع الإهمال المتعمد لهم وتهميشهم وتجويعهم، فهل ستكون إيران حفية بالشيعة العرب في سورية أو لبنان أو الخليج، فإيران تنفذ بنوداً إستراتيجية تقوم على تقويض الأمن الخليجي والعربي، لذلك هي اليوم تضع ثقلها في سورية ومن خلال مواليها الشيعة العراقيين واللبنانيين (حزب الله)، بتقديم أجساد الشيعة العرب إلى محرقة ستلتهم الأخضر واليابس وهي فرصة سانحة لإحالتها إلى عراق ثانية. الدولة الصفوية لن يهنأ لها بال حتى تدمر حاضرة الخلافة الأموية، وقد رأينا كيف دمرت حاضرة الخلافة العباسية وتركتها نهباً للسائب من البشر، ليظل المجد الفارسي مضيئاً بشعلته المقدسة على كل أرجاء العالم الإسلامي، ولا أعتقد أنها تعمى عن حقيقة الغالبية السنية في سورية، لذلك لن تكون «عراقاً». ثانياً، كما لا يفوتهم أن الحروب المقدسة، سنية كانت أو شيعية، ستؤول إلى نار مستعرة ستلتهم الأخضر واليابس. وقد سمعنا أخيراً عن فتاوى تحريضية تدعو للجهاد في سورية، وستكون الفرصة مواتية تماماً للولايات المتحدة الأميركية بتبني هذه الحركات الجهادية السنية في كل أرجاء العالم الإسلامي وستأتيها سائغة دونما مطلب، وقد تكون فرصة سانحة لإعادة الكرة مرة أخرى، بهدف تخليص الخليج العربي من خطر يتهددها ويطال المصالح الأميركية، ربما لم تقدر إيران جيداً أن الولاياتالمتحدة لديها تجربة سابقة بإسقاط أنظمة أشد وأعتى من نظامها الهش، وليس الاتحاد السوفياتي عنا ببعيد. كما لن تدفع روسيا بنفسها في أتون معركة ستعد خسارة بالنسبة إليها، بعدما تذوقت حلاوة الخلاص من ربقة النظام الشيوعي العقيم وويلات الحروب التي أرهقتها ولن نحتاج إلى استرجاع ذاكرة الحرب، وكيف كانت تقع الحروب من قشة صغيرة، هنا سيكون المشاغب حسن نصرالله تلك القشة ما لم يعِ الأمر جيداً، يجب على حكماء الشيعة والسنة النظر إلى الأمر بمعقولية ونزع التجييش الطائفي عن سورية، والابتعاد عنها وتركها لأهلها إلا بمساعٍ حميدة لصلح بينهم وإعادة الأمن والاستقرار إليهم. * كاتب وروائي سعودي. [email protected] almoziani@