كان النظام التربوي في العراق ينقل طلاب الدراسة الثانوية أيام الامتحانات إلى غير مناطقهم الجغرافية، ما يتيح لهم في عمر المراهقة الاحتكاك في ما بينهم والتعرف إلى الثقافات المناطقية المختلفة في البلاد. ولم يكن هذا التقليد بالطبع من اختراع رئيس النظام السابق صدام حسين، بل هو أقدم منه، وأكثر رسوخاً مما جاء به هو منذ أن وصل الى السلطة نهاية السبعينات من القرن الماضي. النظام اليوم في وضع لا يحسد عليه، ثمة مشاكل مركبة تضرب التعليم في البلاد، ليس أقلها تنازع القوى الحاكمة على شكل مادة التدريس وهويتها، وفي الغالب يكون الخلاف على أي من الفرق السياسية يملك الكفة الراجحة، طائفياً أو عرقياً، لوسم المناهج باسمه. لكن التلاميذ يتعايشون مع مشاكل التصنيف الطائفي للمناهج، ويبقى عليهم أن يدفعوا ثمن التوزيع الجغرافي للامتحانات. في الكاظمية (شمال بغداد) كانت قاعات الدراسة مخصصة ليجري طلاب من مدينة أخرى امتحاناتهم فيها. هؤلاء قدموا من الطارمية (شمال بغداد). والمدينتان تقعان على خط تماس طائفي واحد، ويتبادل سكانها الحذر، خصوصاً في أوقات التأزم السياسي، لكنهما في غير ذلك يشتركان بمصالح تجارية وروابط اجتماعية تجعل الصراع بينهما أمراً صعباً. لكن القصة لا تنتهي هنا، فكل هذه القواسم المشتركة تختفي مع أول رصاصة تصفية، تجعل الشارع لعرّابي الحرب وتعيد الأغلبية الصامتة إلى البيوت. وحين تعرف سكان المدينتين على الطريقة التي ستكون عليها امتحانات أبنائهم دخلوا في نوبة قلق على حياتهم، وكيف سينتهي صيف الدراسة هذا، حين يضطر الجميع الى التنقل بين الجانبين. بعض من هذا القلق صنعه الإعلام الأمني الذي يتحول إلى قناعة، بل أحداث ووقائع تفيد بالتصفية الجسدية لكل من يعبر خطوط التماس. وفي كل شكل من أشكال التوتر الأمني في البلاد هناك «الخبر الطائفي» الذي يستبطن التحذير من تجاوز السني خطوط مربعه المغلق إلى أخر شيعي، كما يحدث حين يتردد مراهقون من مدينة الصدر الشيعية للتسكع في حي الأعظمية السني ما يجعل من هذا «الخوف» عادة، ويدفع الناس للبقاء داخل مربعاتهم الطائفية. أحمد علي (21 سنة) كان ينتظر نهاية تموز (يوليو) المقبل كي ينهي المرحلة الثانوية العامة ليدخل الجامعة، لكن أخر ما تمكن من الحصول عليه نهاية أيار (مايو) هو طعنة سكين أودت بحياته حين قرر الانتقال إلى منطقة أخرى للقاء زميل اتفق معه على مراجعة فروضهما معاً. أحمد، وهو رياضي ويقول أهله انه كان يحلم بأن يصبح ديبلوماسياً، وجدته دورية للشرطة ملقياً على قارعة الطريق، بينما قال شهود عيان إن نقطة تفتيش وهمية اعترضت طريقه ورمته برصاصة من سلاح كاتم ولاذت بالفرار. ومع تفجيرات أيار (مايو) الدموية التي راح ضحيتها في نحو أسبوع أكثر من 400 قتيل وجريح، كان الحديث عن أوضاع الطلاب يشغل الجميع، وتداولت صحف محلية ومواقع التواصل الاجتماعي نداءات متفرقة من أسرهم تطلب أن تكون الامتحانات في المناطق التي يسكنون فيها. «الحياة» اتصلت بوليد حسين وهو مدير العلاقات العامة في وزارة التربية وسألته عن مصير نظام اختلاط الطلاب أيام الامتحانات فقال: «غالبية طلاب الدراسات الصباحية سيجرون امتحاناتهم ضمن مناطقهم، أما طلاب الدراسات المسائية فإن هيئة الرأي في الوزارة اجتمعت وقررت السماح لهم بإجراء الامتحانات في مراكز العاصمة». ويعتقد خبراء ان جعل الطلاب ينتقلون إلى مناطق جديدة في آخر امتحانات يساعدهم على التحضير النفسي لدخول الجامعة حيث النمط مختلف في الدراسة التي تفرض نسقاً وإيقاعاً أكثر حدة ونشاطاً، ويستدعي عوالم مختلفة لكن الوضع الأمني لم يعد يسمح بذلك. والعزلة التي يفرضها التدهور الأمني والبيئة الاجتماعية التي يسودها الهاجس من اندلاع التصفية الطائفية غيّرتا من أشكال التواصل بين الطلاب أيام الإجازة التحضيرية للامتحانات. فمن هم محاصرون في مربعات طائفية يجتازونها أحياناً الى أخرى غير مصنفة رسمياً فيتواصلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث تزدهر صفحات ذات طابع تعبوي، يديرها شباب وطلاب. اما المضمون فشعارات تستنكر الطائفية، وتهدف الى كسر حاجز الخوف بين العراقيين، وتختبر قدرتهم على التعايش بعيداً من النخبة السياسية المتهمة دائماً بإنتاج أدوات العنف الطائفي.