يفتقد شارع «النحاسين» في بغداد سماع أصوات الطَرق على النحاس، ويتسبب ذلك في هجرة السياح الشارع ما يهدد مجموعة من أقدم الصناعات الحرفية التي اشتهر بها العراق لأكثر من ألف عام. وأجبرت هذه التطورات الحكومة العراقية على الموافقة على مشروع لوزارة السياحة لإعادة الدعم للصناعات الحرفية، وإنقاذ ما تبقى منها. وقال المستشار الإعلامي لوزارة الثقافة حاكم لشمري في تصريح الى "الحياة»: مجلس الوزراء وافق في جلسته الأخيرة، على إعادة الدعم المقدم للصناعات الحرفية خصوصاً النحاسية بهدف إنقاذ ما تبقى منها وتشجيع الصناعات التراثية التي تحتاجها السياحة». وأكد أن الوزارة «ستعمل على رعاية الأسواق الخاصة بالمهن التراثية لإنعاش القطاع السياحي، وسيزوّد النحّاسون بمادة النحاس بأسعار مدعومة، إضافة الى إشراكهم بالمحافل داخل العراق وخارجه لتعريف العالم بواحدة من اعرق صناعاتنا التراثية». ويعد «شارع النحّاسين» من أشهر أسواقها التراثية، حيث تتمركز الصناعات التي تستخدم النحاس بالدرجة الأساس لصناعة الأواني المنزلية وأباريق الشاي والكاسات والملاعق وإطارات الصور والفوانيس، والنقش عليها لتشكيل لوحات فنية برسومات تحاكي التراث السومري والإسلامي». ووافق مجلس الوزراء على إعادة ترميم الأسواق المتخصصة التي توجد فيها ورش الصناعات التراثية. ويشتهر العراق بوجود أكثر 21 ألف موقع اثري وفلكلوري وإسلامي، كثيراً ما تتعرض للتجاوز والسرقات والنبش على يد مافيا متخصصة تستفيد من ضعف الإجراءات الأمنية. وحتى الآن لا يوجد سوى أربعة آلاف حارس، غير مدربين وغير مجهزين لحماية الآثار العراقية. وتوضح الأكاديمية العراقية المتخصصة بالصناعات التراثية في جامعة بغداد، مها مازن، أنها تشعر بالحزن عند زيارتها «شارع النحّاسين» ولا تسمع أصوات الطرق على النحاس، التي كانت تبدأ بعد صلاة الفجر». وتابعت: «لاحظت تضاؤلاً مخيفاً في عدد المحال النحاسية بعد أن كانت تحتل الشارع كاملاً بأكثر من 230 محلاً، لم يعد موجوداً منها سوى اقل من 10، فقد سعى تجار سوق الشورجة التجاري الى استغلال عدم رواج الصناعات النحاسية وتوقف أعمال الحرفيين لإغرائهم بالأموال لشراء محالهم وتحويلها إلى مخازن لتكديس الملابس المستوردة والأقمشة وغيرها». وحذرت من لجوء بعض التجار المتخصصين ببيع التحف والتراثيات، لنقل نماذج إلى الصين بهدف تقليدها ومن ثم استيرادها على أنها صناعات عراقية. ووفق الخبيرة مازن يعود تاريخ السوق، إلى «العصر العباسي وتحديداً في زمن الخليفة المستنصر بالله الذي أمر بإنشاء المدرسة المستنصرية والتي تطلب استحداثها حرفيين وبنائيين وعمال، وهنا أمر بإنشاء أسواق متخصصة قرب المدرسة لخدمة الطلاب ومن بينها سوق البزازين والخفافين والعطارين والوراقين وكان أقدمها سوق النحّاسين» لأنه شارك في بناء المدرسة وتجهيزها.