أفرد تقرير استراتيجي ل «وكالة الاستخبارات الوطنية (الأميركية)» المُعنون «اتّجاهات عالميّة: عوالم بديلة 2030» Global Trends: Alternative Worlds 2030 فصولاً واسعة للحديث عن التغيير الذي يحمله تصدّر البيانات الكبيرة مسار المعلوماتية وشبكات الاتصالات. وإذ اعتبر التقرير أن التقنيّة هي أحد 6 مُكوّنات تستطيع إحداث تبديل استراتيجي في اللعبة الدولية ومساراتها، مع ملاحظة أن الخمسة الاخرى تتمثّل في مسار الاقتصاد العالمي، وفجوة الحوكمة المتأتيّة من نمو الطبقة الوسطى دولياً، والصراعات بين الدول وفي دواخلها، وعدم الاستقرار في المنظومات الإقليمية خصوصاً في الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا المجاور للصين، وخيار الولاياتالمتحدة بالنسبة الى مدى انخراطها في المنظومة العالميّة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. ليس على أقل من هذا المستوى من الأهمية، نظرت «وكالة الاستخبارات الوطنية» إلى مسألة صعود البيانات الكبيرة. ولاحظت أنها تأتي في سياق المخاوف من قدرة البيانات الكبيرة على مفاقمة الخلل بين قوة الدولة المعلوماتيّة والشبكات من جهة، وبين ما يملكه المواطنون في هذه الأمور من جهة ثانية. وأعطت مثالاً على ذلك المعلومات المتأتية من مراقبة المواطنين إلكترونيّاً في مساحات تتوسّع باستمرار، ما يضخّ معلومات هائلة عن المواطنين وحياتهم، ويحمل شبح العيش في كابوس الدولة المتسلّطة التي رسمها الروائي الأميركي جورج أورويل في رواية «1984»، حيث عين الحاكم/الأخ الأكبر تراقب كل شيء وكل فرد، عبر شاشات لا تنطفئ وكاميرات لا يغمض لها جفن. الفن وتمرّدات الشبكات في التقرير عينه، لاحظت «وكالة الاستخبارات الوطنيّة» الأميركية أن صعود البيانات الكبيرة يترافق مع زيادة قدرة التقنية الرقمية على تجميع المعلومات وتحليلها وتنظيمها وتصنيفها وتخزينها، بل أن هذه الأمور تتضاءل كلفتها باستمرار. ويترافق صعود البيانات الكبيرة مع تحوّل الميديا المتّصلة بالشبكات الاجتماعية Social Media إلى سوق هائلة الاتّساع. وينطبق وصف مماثل على الأمن المعلوماتي Cyber Security ومتطلباته التي تتنامى باستمرار، خصوصاً مع استمرار حروب الشبكات الإلكترونية بين الدول الكبرى. وأعطت «وكالة الاستخبارات الوطنيّة» اهتماماً واسعاً لمسألة «حوسبة السحاب»، وهي تقنيّة تروج بالتزامن مع صعود البيانات الكبيرة. ومع اقبال الأفراد والمؤسسات والشركات، بل حتى الحكومات والجيوش، على جعل الانترنت مخزناً عاماً ضخماً مشتركاً لمعلوماتها وعملياتها وخدماتها وتعاملاتها كافة، وهو معنى مصطلح «حوسبة السحاب»، تصبح هذه المعلومات الضخمة عنصراً حاسماً في رسم شؤون الحياة اليومية وتداخلاتها، بداية من الفنون ومروراً بالعلاقات الاجتماعية ووصولاً إلى التمرّدات الاجتماعية بل حتى الصراعات الحاسمة بين الدول المختلفة. وفي هذا المعنى، تلعب البيانات الكبيرة والقدرة على التعامل مع إملاءاتها، شأناً حاسماً في مسألة التنمية عموماً، وفي تحديد من يستطيع الاستمرار والتأقلم والمواكبة، ومن يجد نفسه متروكاً ومهمّشاً، وبالتالي موضع تبعيّة لا نهاية لشباكها الكثيفة والثقيلة.