تضمن التقرير الأخير الذي أصدره صندوق النقد الدولي حول اقتصاد البحرين، جوانب إيجابية كثيرة تؤكد الأسس الجيدة التي يملكها هذا الاقتصاد لاسترجاع عافيته سريعاً والعودة لمعدلات النمو المرتفعة، فقد أكد أن الاقتصاد الوطني شهد تحسناً واضحاً عام 2012 على رغم تقلص الإنتاج النفطي بسبب انقطاعات في حقل أبو سعفة في منتصف العام ذاته، لكنه عاد لمعدلات إنتاجه الطبيعية مع نهاية السنة. وقد لعب عاملان رئيسان دورهما المؤثر في تحسن الأداء الاقتصادي، هما الإنفاق الحكومي والقطاعات غير النفطية. فبالنسبة للإنفاق الحكومي، أكد التقرير أن لمواصلة ارتفاعه الملحوظ دور كبير في زيادة الطلب في قطاعات كثيرة. أما بالنسبة للقطاعات غير النفطية، فإن الانتعاش كان عاماً تقريباً، وشمل قطاعات الإنتاج والفنادق والمطاعم والتأمين والمصارف والاتصالات، مع تعاف واضح في قطاعي تجارة التجزئة والإنشاءات. وقد أدى تضافر هذه العوامل إلى تضاعف النمو الاقتصادي من 2.1 في المئة عام 2011 إلى 4.8 في المئة عام 2012، وهي نسب مقاربة لتوقعاتنا السابقة لنمو الاقتصاد البحريني. في حين نما القطاع غير النفطي بنسبة 6.1 في المئة عام 2012، كما ظلت معدلات التضخم عند مستويات مقبولة عند 2.8 في المئة. هذه المستويات تعتبر عالية بالنسبة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم. كما أشار التقرير إلى تحسن الوضع الخارجي للبحرين عام 2012 نظراً إلى تقلص التدفقات النقدية الخارجية، حيث ظل وضع الحساب الجاري قوياً بفائض نسبته 18.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بينما ارتفعت الاحتياطات الرسمية من 4.2 بليون دولار عام 2011 إلى 4.9 بليون عام 2012 وهي تمثل 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي كما تعادل 10 شهور من قيمة الواردات، كما لم تشهد العملة المحلية أي ضغوط تذكر. ويؤكد التقرير ما سبق أن أشرنا إليه حول متانة القطاع المالي في المملكة، الذي يشكل 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويتوقع أن تحقق المصارف التجارية نتائج مالية جيدة خلال العام الحالي، حيث لاحظنا نمو قروض مصارف التجزئة للقطاعات الاقتصادية في المملكة بنحو 800 مليون دينار خلال عام 2012، وهو مؤشر جيد إلى استعادة الثقة بالاقتصاد الوطني. وبلغ النمو على أساس سنوي في التمويلات والقروض المقدمة للقطاع الخاص نسبة 17 في المئة عام 2012، مقارنة به في 2011، وهذا يدل على تجدد ثقة المصارف التجارية في القطاع الخاص، فضلاً عن الطلب المتزايد على الائتمان، ما يعني زيادة السيولة لدى القطاع الخاص، وكذلك على انتشار رقعة الانتعاش الاقتصادي التي يقودها القطاع الخاص. ونحن نتوقع أن تسجل المصارف التجارية نمواً وربحية أفضل خلال العام الحالي بحيث تتراوح نسب التحسن بين 10 و15 في المئة مقارنة بها عام 2012. وأشار الصندوق في تقريره إلى تنامي الدين الحكومي، وذلك بسبب تزايد الإنفاق بنسبة 19 في المئة عام 2012، لرغبة الحكومة بتجنيب الاقتصاد أخطار التباطؤ العالمي. ويتوقع صندوق النقد أن يبلغ الدين العام 35.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذه السنة، وفي حال خفضت البحرين الإنفاق تدريجاً على مدى الدورات الثلاث المقبلة للموازنة بنحو 7.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، يرجح الصندوق أن يؤدي ذلك لاستقرار الدين العام عند 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المدى المتوسط، وهو مستوى مقبول جداً وأقل كثيراً من معيار الوحدة النقدية الخليجية البالغ 60 في المئة. ولتحقيق ذلك، يدعو الصندوق الحكومة إلى السعي لاحتواء زيادات أجور القطاع العام وتعزيز الإيرادات غير النفطية وترشيد الإنفاق الرأسمالي. كما يحضّ الصندوق على التعامل مع توفير الوظائف من خلال تنويع الأنشطة الاقتصادية لتوليد وظائف ذات قيمة مضافة ورواتب مجزية، وهي التوجهات التي نلاحظ بوضوح تبلورها من خلال مشاريع حيوية كثيرة في قطاعات الصناعة والخدمات. كما نلاحظ أيضاً تركيز برامج الدولة في الوقت الحاضر على الاستثمار في التنمية البشرية من خلال زيادة قاعدة فرص العمل المتوافرة للمواطنين، وتوسيع نطاق القدرة على الحصول على خدمات جيدة النوعية في مجالي الرعاية الصحية والتعليم، وإتاحة شبكات الأمان للفئات الضعيفة. وقد درجت البحرين على الحصول على مراكز متقدمة في التنمية البشرية طوال السنوات السابقة. كما تعمل البحرين في الوقت الحاضر على تطوير استراتيجيات طويلة المدى لتمكين الشباب اقتصادياً، والتي يفترض أن تهتم برواد الأعمال الشباب وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومساندتها، لأنها تولد غالبية فرص العمل الجديدة لشرائح عريضة وواسعة من المواطنين. لقد أعاد تقرير صندوق النقد الدولي التأكيد على الكثير من الأساسيات القوية التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني، وهي كلها تهيئ له سبل الانطلاق مجدداً نحو التنمية المستدامة خلال المرحلة المقبلة. الرئيس التنفيذي ل «مجموعة البركة» المصرفية