فقدت صناعة النفط العالمية والفرنسية فجر أمس رئيس شركة «توتال» الفرنسية كريستوف دو مارجوري عن 63 عاماً، في كارثة جوية في مطار فنوكوفو قرب موسكو، حيث اصطدمت الطائرة الخاصة من طراز «فالكون 50» بعد إقلاعها، بكاسحة ثلوج، في ظل ضباب كثيف. وأفاد الإعلام الروسي بأن سائق كاسحة الثلوج كان مخموراً، فيما اعتبر المحققون الذين عاينوا مكان الكارثة، أن «إهمال المسؤولين في المطار كان كبيراً». وخسرت «توتال» رئيساً، عمل فيها على مدى 40 سنة، تدرّج في تولي المناصب حتى صعوده إلى القمة. وعمل مارجوري من أجل نسج علاقات جيدة وحميمة مع المسؤولين عن قطاع الطاقة في العالم العربي، إذ كانت تربطه علاقات ود وصداقة بجميع النافذين في هذا القطاع في السعودية والإمارات وقطر والكويت واليمن والعراق. وكان شرقياً في تعامله مع المسؤولين العرب الكبار، وتميّز بروح النكتة وحبه للجدل وكان وفياً لأصدقائه. يتحدّر دو مارجوري من عائلة عريقة في فرنسا، وكانت والدته من آل تيتانجي الثريّة التي كانت تملك سابقاً عدداً من فنادق باريس الفخمة منها «كريون» و»لوتيسيا» و»اللوفر» وصناعة «باكارا» وباعتها لاحقاً. وعلى رغم هذه الثروة فضّل أن يبدأ موظفاً في شركة «توتال». وكان يمزح كثيراً حول الموضوع قائلاً إنه دخل الشركة «لأنها قريبة من منزله». وعندما كان رئيساً لقسم الشرق الأوسط في الشركة، وخلال زيارة مع رئيس «توتال» السابق سيرج شوروك، لوزير الطاقة القطري السابق عبد الله حمد العطية في مقرّ إقامته في فندق «كريون»، قال له شوروك إنه «يقيم في فندق دو مارجوري»، فاستغرب العطية ممازحاً دو مارجوري الذي يعمل في «توتال» على رغم هذه الثروة. وكانت علاقاته مزيجاً من الجديّة والبراعة والمرح والمزح، وأحبّ دو مارجوري العرب والشرق الأوسط. وانتقل كثيراً إلى السعودية للقاء رئيس شركة «أرامكو» خالد الفالح، وبنى معه علاقة ثقة وودّ عندما أطلقا مشروع مصفاة الجبيل. كما كانت تربطه علاقات ثقة بوزراء نفط السعودية علي النعيمي ووكيل الوزارة الأمير عبد العزيز بن سلمان، وعبد الله حمد العطية وفريق عمله ومسؤولين في قطاع النفط الإماراتي والكويتي، وكذلك مع معظم دول «أوبك». وأشاد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ب «موهبة» رئيس مجلس إدارة «توتال» كريستوف دو مارجوري، مؤكداً أنه كان يدافع عن «تميّز هذه المجموعة النفطية العملاقة». وأفادت الرئاسة الفرنسية في بيان بأن هولاند تبلّغ «بذهول وحزن» نبأ مصرع دو مارجوري. وجاء في البيان «كريستوف دو مارجوري كرّس حياته للصناعة الفرنسية وتطوير مجموعة توتال، ورفعها إلى مصاف الشركات العالمية الكبرى»، مؤكداً أنه «كان يدافع بموهبة عن تميّز التكنولوجيا الفرنسية ونجاحها في الخارج وكانت لديه طموحات كبرى لمجموعة توتال». وفي السياق ذاته، عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أسفه لخسارة «صديق حقيقي»، وقال في برقية تعزية إلى هولاند «فقدنا صديقاً حقيقياً لبلدنا». وأضاف «رجل الأعمال الفرنسي اللامع هذا يقف وراء مشاريع مشتركة كبرى أرست لسنوات أسس تعاون مثمر بين روسياوفرنسا في مجال الطاقة»، معبّراً عن «تعازيه الصادقة» لأقرباء دو مارجوري. كما أشاد بوتين ب «تفاني» رئيس توتال في العمل من أجل العلاقات الفرنسية - الروسية. وأشارت وكالة «فرانس برس» إلى بيان لمجموعة «توتال» معلنة تأكيدها «بحزن بالغ وعميق الأسى وفاة دو مارجوري هذه الليلة بعيد العاشرة مساء (بتوقيت باريس) في حادث طائرة في مطار فنوكوفو في موسكو، إثر اصطدامها بكاسحة ثلوج». وأوضح مطار فنوكوفو أحد مطارات موسكو الدولية الثلاثة، في بيان «تحطّم الطائرة»، لافتاً إلى «حصول الاصطدام مع كاسحة الثلوج أثناء الإقلاع قبيل منتصف الليل، ونتيجة الحادث قُتل الراكب وجميع أفراد الطاقم». وأوضح المطار أن «الرؤية كانت منقشعة لمسافة 350 متراً». وأشار إلى «إرسال فرق الإغاثة إلى الموقع، التي باشرت فوراً إخماد الحريق الذي اندلع». وعثر الخبراء الذين وصلوا إلى المكان على الصندوقين الأسودين للطائرة، وفق ما نقلت وكالة «إنترفاكس» عن مصدر في المطار. وفُتح تحقيق في ملابسات الحادث لدى اللجنة الحكومية للطيران المكلّفة التحقيق في الحوادث الجويّة في روسيا، والوكالة الفيديرالية الروسية للطيران. وأوردت صحيفة «فيدوموستي» الروسية، أن دو مارجوري كان عائداً من اجتماع مع رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف في منزله الريفي قرب موسكو، بحثا خلاله في الاستثمارات الأجنبية. وتولّى دو مارجوري رئاسة «توتال» عام 2010، وفي ظلّها سرّعت المجموعة استثماراتها في عمليات الاستكشاف، سعياً إلى تحقيق أهدافها الطموحة على صعيد تنمية إنتاجها النفطي، بموازاة بيع بعض نشاطاتها. وحصل على شهادته من المدرسة العليا للتجارة في باريس، وتميّز باختلافه في مجموعة سادت فيها ثقافة مهندسين. وترعرع في عائلة ديبلوماسيين ومديري شركات. وانضم عام 1974 إلى الإدارة المالية لشركة النفط الفرنسية السابقة. وأفادت «فرانس برس» بأن دو مارجوري بعد اندماج «توتال» مع مجموعة «بتروفينا» البلجيكية عام 1999، تولّى الإدارة النافذة لقسم التنقيب والإنتاج، واحتفظ بالمنصب بعد استحواذ «توتال» على شركة «إلف أكيتان» في العام ذاته». وتتصدّر «توتال» في السوق المحلية الشركات الفرنسية وتنشط في كل القارات. ووصل حجم أعمالها إلى 189.5 بليون يورو العام الماضي، ويعمل فيها نحو 100 ألف موظف، وموجودة في 130 بلداً. وبلغت أرباحها 10.8 بليون يورو العام الماضي. وباتت الثانية في فرنسا على مستوى قيمتها في البورصة، بعدما احتلت الصدارة مطولاً، وتأتي خلف شركة «سانوفي» للصيدلة وهي فرع سابق في المجموعة النفطية. وبلغت قيمة «توتال» صباح أمس في البورصة نحو 102 بليون يورو في مقابل 107 بلايين ل «سانوفي». وعالمياً تحتل المجموعة المرتبة الخامسة على مستوى الشركات المدرجة في البورصة على مستوى الرسملة.