فيما تتراجع الحراكات المسرحية في العالم العربي لأسباب بينها غياب دعم القطاعين العام والخاص لهذا الفن، يأتي مهرجان المسرح المدرسي العربي الذي اختتم في عمّان ليلفت الأنظار. الدورة الأولى التي قُدّمت عروضها على مسارح «المركز الثقافي الملكي»، و»أسامة المشيني»، و»مدرسة عين جالوت الثانوية الشاملة للبنات»، غاب عنها الحضور العربي، على رغم أن إدارة المهرجان دعت عشر دول. ولكن «لم تشارك منها إلا دولة فلسطين»، وفق رئيس قسم المسرح في وزارة التربية والتعليم محمد الشرع. على رغم ذلك، ذهب التلامذة المشاركون بعيداً في التفاعل مع نشاطات المهرجان، لتعطشهم إلى تغيير الأجواء البيروقراطية الصارمة لحياة المدارس. ومن جهة أخرى لعب التنافس على الجوائز الأربع عشرة دوراً بينهم في إشاعة أجواء الحماسة. ولم تغب الوحدة العربية عن أجواء المهرجان، خصوصاً أن مديره الدكتور فراس الريموني أكد ل «الحياة» أن أهداف هذه التظاهرة هي «تعزيز الوحدة العربية، والانفتاح على الثقافات العربية، وما فيها من قيم واتجاهات تنمي الذائقة الفنية والجمالية لدى الطلاب والمشاهدين، وتعزيز مهارات اللغة العربية وعلى وجه الخصوص مهارتا الاستماع والتحدث». انهمكت مواضيع المسرحيات التي يشارك فيها معلمون وتلامذة على السواء، في استعادة القصص التقليدية المُفادة من مسرح الطفل العربي عموماً. فعرض «العسل المر» للمخرجة آمنة عماري، تتلخص فكرته بتعرّض خلية نحل لمكائد ثعلب. وشدد عرض «علقم يا علقم» للينا عودة الريحاني، على أن المياه للجميع وعلى أهمية المحافظة عليها. بينما أتى عرض «الليلة نلعب» لراوية عدنان حموري، محاولة لتصوير صراع الإنسان مع الطبيعة عبر التاريخ. وتناول «أصدقاء الشمس» لفاطمة محمد بدران، فكرة الصراع بين الخير والشر، وأن الحقيقة مهما طُمست ستظهر في النهاية. وتحدث «صانع الأحلام» لجلال رشدي، عن مجموعة أطفال قست عليهم ظروف الحياة وجعلتهم مشردين من دون مأوى، ولكنهم أصروا على تحقيق الذات. وتدور فكرة «سلاح المؤمن» لعبير عودة المجالي، حول المقارنة بين مصير فتاتين، وكيف أن العلاقة مع الله تساهم في أخذ القرارات الصائبة. وحكت مسرحية «الأسير الكريم» لعلي خالد الجراح، عن أهمية الشهادة في سبيل الله التي اعتبرها العرض أرقى القيم الجمالية إنسانياً. ويطرح «بائع الحكمة» للمعلمتين ريناد القرالة ورحاب المطارنة، حياة حكيم يبيع الناس حِكماً، وكيف استطاع المحافظة على الأخلاق القيمة، رغم اشتداد الضغوط عليه بفعل وطأة القوانين السائدة. أما العرض العربي الوحيد المشارك في المهرجان، فهو «السحر والشعوذة» من مدرسة بنات شهداء بني نعيم الأساسية من فلسطين لرنا مناصرة، ويحارب في رسالته العمل بالسحر والشعوذة، ويؤكد كذب المشعوذين مفنّداً طرق خداعهم. ومن جهة أخرى، حضرت الرسائل القريبة من مسرح الكبار، في كل من عرض «فرح» (إخراج علي الجراح) الذي تناول مخلفات الحرب وأثرها النفسي والتربوي في الأطفال، و»آسرة القلوب» لمنال أيوب التي رصدت غياب البصيرة عن خطاب الأمة العربية الثقافي، وتلاعب الغرب بلغتها وإضعاف هويتها والدعوة للتمسك باللغة علماً وعملاً. لكن لجنة تحكيم المهرجان التي تضم عبد الكريم القواسمي، وسماح القسوس، ونور الحجة، منحت الجائزة الذهبية لأفضل عرض عربي ل «السحر والشعوذة» من فلسطين، فيما ظفرت مسرحية «آسرة القلوب» بجائزة أفضل عرض متكامل. لجنة التحكيم التي استبعدت عرض الافتتاح «نقش الأردن» من دخول مسابقة المهرجان لكونه احترافياً، منحت «جائزة لجنة التحكيم الخاصة» لكل من المخرج علي الجراح عن مسرحيته «فرح»، والطالبة منار يحيى عبادة، المشاركة في مسرحية «الليلة نلعب» من تأليف وليد أخلاصي، وإخراج رابعة عدنان حموري. وفازت المعلمتان منال أيوب وفاتن أبو عون بجائزة أفضل إخراج عن مسرحية «آسرة القلوب»، والطالبة سبأ قطاونة بجائزة أفضل تمثيل دور أول عن مسرحية «بائع الحكمة»، والطالب محمد العمرو بجائزة أفضل تمثيل دور أول عن مسرحية «صانع الأحلام»، والطالبة حنان الشرفات بجائزة أفضل تمثيل دور ثان عن مسرحية «الأسير الكريم»، والطالبة راما أبو حمده بجائزة أفضل تمثيل دور ثان، عن مسرحية «علقم يا علقم». وفي مجال التقنيات منحت لجنة التحكيم المعلمة آمنة عماري والطالبة دارين الزعبي، جائزة أفضل موسيقى، عن مسرحية «العسل المر»، والمعلمة فاطمة محمد بدران جائزة أفضل ديكور مسرحي عن مسرحية «أصدقاء الشمس»، والمعلمة آمنة عماري جائزة أفضل ملابس وإكسسوار، عن مسرحية «العسل المر». فيما منحت لجنة التحكيم جائزة أفضل ماكياج مناصفة للمعلمة رابعة العلاونة عن مسرحية «الليلة نلعب»، وللمعلمة عبير المجالي عن مسرحية «سلاح المؤمن». المشاركون من الأطفال والفتيان عادوا إلى بيوتهم ومدارسهم، وهم يحملون أحلامهم وأمانيهم، بعد انفضاض هذا المهرجان، فهل يلتقون مرة أخرى في الدورة الثانية؟ وهل إن حسابات الضغوط الاقتصادية سوف يمنع تحقيق أحلامهم، مع أقرانهم العرب؟ سؤالان محيّران برسم المستقبل.