كأن حفلة اختتام مهرجان فيلادلفيا العاشر للمسرح الجامعي العربي، الذي فازت فيه مسرحية «روما تحترق» (جامعة الشارقة) بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل، سعت إلى التأكيد على أن ظاهرة المسرح ما هي إلا فعل احتفال وفرح وانفعال، تمتزج فيه الفنون المختلفة من غناء ورقص وأداء تعبيري، وأظهرت عفوية اللقاء والحوار بين الشباب الآتين من جامعات عربية، أن حدود الجغرافيا زالت، لتحل محلها الجغرافيا الإنسانية. هذه التظاهرة التي أقيمت في عمّان، ب11 عرضاً، أكدت أن الجانب المالي ليس دائماً «بيضة القبّان» في المهرجانات، ذلك أن للجهود التطوعية والإدارة الناجحة دوراً حاسماً، ولو كانت الموازنة محدودة، إذ لم تتجاوز موازنة «مهرجان فيلادلفيا» 10 آلاف دينار (14 ألف دولار أميركي)، وفق مدير النشاطات الثقافية صبحي الخطيب، كما أن «فيلادلفيا» من المهرجانات الجامعية العربية القليلة التي حافظت على انتظام دوراتها متجاوزةً العوائق. احتضن المهرجان مسرح محمود أبو غريب في المركز الثقافي الملكي، ومسرح أسامة المشيني في الويبدة، في رعاية رئيس جامعة فيلادلفيا، مروان كمال. واتجهت دورته الأخيره إلى تبيان أهمية إنتاج المعرفة بدلاً من استهلاكها. هذا ما جاء في مناقشات ندوة بعنوان «أبعاد المسرح الجامعي العربي: الواقع والتطلعات»، بمشاركة نادر القنة ومبارك المزعل من الكويت، إذ قارن القنة في ورقته بين الجامعات العربية والأجنبية على صعيد المسرح، وفي رأيه يبدو الفضاء العربي «مخجلاً ومتواضعاً». وربط ما رأى أنه «تخلُّف» المسرح العربي، بتخلُّف رؤية الواقع السياسي وعدم مأسسة المسرح الجامعي، داعياً إدارات المهرجانات العربية إلى الانضمام إلى المنظمة العالمية للإحصاءات والمعلومات، للارتقاء بآلياتها والإفادة من القوانين المهنية. وأثّرت مجريات «الربيع العربي» لجهة غياب عدد من البلدان عن التظاهرة ومنها لبنان، ما أفاد الحضور المحلي في المهرجان، مع ثمانية عروض أردنية وثلاثة عربية. غير أن تناولات المسرحيات المشاركة، جاءت مكرورة على صعيدَي المبنى والمعنى، كما في غالبية المهرجانات المسرحية العربية، خصوصاً أن المشاركين في «فيلادلفيا» طلاب وهواة. على صعيد الأردن، تناولت مسرحية «رنين الخشب» من إخراج محمد المومني (جامعة فيلادلفيا) جدلاً عقيماً بين الأنا والأنا العليا، وهجت «الأصابع» من إخراج المعتصم أبو عليم (جامعة الزرقاء الأهلية) ديكتاتورية التسلط السياسي، وجسدت «ثورات بلا عنوان» من إخراج سامر القرالة (جامعة الحسين بن طلال) التخلي عن الحلم القومي لصالح الحلم الفردي، ودعت «حالة وطن» من إخراج ميرفت القصاص إلى التمسك بالوحدة الاجتماعية والوطنية، وطرحت «خزعبلات» من إخراج خالد كمال (جامعة الأميرة سمية) أحداثاً موازية لحكاية «بيغماليون» مع نرسيس، فيما رصدت «جثة على الرصيف» من إخراج حلا حداد (جامعة جدارا) قيم التمايز الطبقي وأثرها في العلاقات الاجتماعية. ومن الجامعات العربية: «أحلام» من إخراج سعيد سعادة (جامعة النجاح في نابلس) التي ربطت رمزياً سياق العنف ضد المرأة بقمع الاحتلال للمواطن الفلسطيني، و «رماد» من إخراج أحمد بن علي العجمي (جامعة صحار العُمانية) التي أكدت صيرورة صراع الأمم الدائم، و «روما تحترق» من إخراج مهند كريم (جامعة الشارقة) أبرزت مقاومة لمفهوم الطغيان في شكل فانتازي. بينما بدا عرضٌ واحد محترفاً، وهو «واجه ولكن» من إخراج رائدة غزالة (مسرح الحارة الفلسطيني)، وتناول واقع الشباب الفلسطيني وطموحاته تحت وطأة الاحتلال، مستخدماً تقنية المونولوغات والرقص. وكرّم المهرجان، الذي شهد غياباً لافتاً للدارسين في كليات الفنون المسرحية، الفنان جميل عواد، تقديراً لعطاءاته في المسرح الأردني. وتألفت لجنة التحكيم من عبدالكريم الجراح (رئيساً)، محمد القباني، نادر القنة، مبارك المزعل، كلثوم أمين، ومنحت 15 جائزة.