مما يزهدني في أرض أندلس – ألقاب معتضد فيها ومعتمد ألقاب مملكةٍ في غير موضعها – كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد يسوّق بعض أصحاب الشقق المفروشة، والمحلات التجارية، والورش الصناعية، بضاعتهم من ملبوس ومطعوم ومشروب ومسكنٍ بمسميات عقاراتهم الغريبة، كماربية مقصد الملوك والأثرياء، والأندلس إرث المسلمين المفقود، ونيس وكان منتجعات رجال الأعمال، وورشة الأمانة! وبقالة العفاف، وأسواق الشرف إلخ... لا يماري المستهلك في أهمية المسميات وتأثيراتها الغريبة على الإنسان، أي الانطباع الأولي الذي يحيط بالإنسان حال رؤيته لتلك المسميات التي يخالف مخبرها جوهرها، فماربية - الشقق - مثلاً تحوي أثاثاً قديماً عبثت به أنامل البراغيث، ومخدات أسرة استوطنتها الصئبان والحشرات، أما الأندلس الفندق أو الشقة، فلو وقف على طللها أبو البقاء الرندي لهاله الأمر واستهوته أحزان كما قال في نونيته. أما ورش الأمانة والصدق، فليس لهما من مسمياتهما نصيب أو حظ إلا من رحم الله تعالى، وقليل ما هم. وهي تذكرني بطرفة قاضي الجبل، القاضي الذي أساء كثيراً وجار في أحكامه حتى ضجّ الناس منه ومن أحكامه، فرفعوا به إلى الوالي الذي أصرّ على أن يقف على حقيقة الأمر بنفسه، ولما بلغ القاضي خبر الزيارة الميمونة طلب من رعايا الجبل النجدة بشهادة حسن السيرة والسلوك له، فرفض الجميع مساعدته بل وفرحوا أنهم سيتمكنون من إقصائه أخيراً عن منصبه. لم يجد القاضي بداً من تلقي الوالي قبيل وصوله إلى الجبل على هيئة رثةٍ، إذ بعثر شعيرات لحيته، واستبدل العمامة بالقلنسوة كي لا يعرف! وصل الوالي إلى مشارف الجبل فتلقاه القاضي بقوله: يا أمير المؤمنين نعم القاضي قاضي الجبل، وأخذ يثني على نفسه، وكان برفقة الوالي وزيره الخاص الذي عرف القاضي، فأخذ يكتم ضحكاته بكمه، قال له الوالي: ما الذي يضحكك؟ أجابه بأن المثني على نفسه هو عينه قاضي الجبل، ضحك الوالي من هذه الفاجعة حتى استلقى وأمر بعزله فعزل. ملاحظة: أي تشابه في المسميات لا يلزم مطابقة لما قيل في حق المنشأة التي سميت بذلك الاسم! البوكس [email protected]