لم يعد الإرهاب مجرد حالة استثنائية في الغرب ولكنه بات خطراً حقيقياً يمكن أن يقع في أي لحظة ومن دون سابق إنذار. فقبل أيام قليلة وقعت جريمة إرهابية بشعة في قلب العاصمة البريطانية لندن حين قام شخصان بريطانيان بذبح جندي بساطور وسكين في منتصف النهار من دون أن يهتز لهما جفن. المثير في الأمر أن هذين الشخصين لم يغادرا مسرح الجريمة أو يلوذا بالفرار من الشرطة البريطانية وإنما تعاملا مع الأمر ببرود شديد. والأنكى أن أحدهما حاول إقناع المارة بأن ما قام به هو أمر مشروع وواجب ديني. أحد هذين الشخصين من أصل نيجيري وينتمي إلى جماعة «المهاجرون» المحظورة والمصنفة ضمن الجماعات الإرهابية في بريطانيا. والشخص الآخر هو متحول من المسيحية إلى الإسلام. ومن الملفت أن كلا الشخصين كانا ضمن قائمة الاستخبارات البريطانية (MI 5) للمشتبه بهم بسبب انتمائهما لجماعة «المهاجرون» التي تم حظرها قبل أعوام عدة. ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية فإن المهاجم النيجيري اشتكى من ملاحقة أجهزة الاستخبارات البريطانية له طيلة السنوات الثلاث الماضية بسبب توزيعه منشورات متطرفة. وقد اعترف عمر بكري مؤسس جماعة «المهاجرون» بأن هذا الشخص تعلم على يديه حين تحول إلى الإسلام في عام 2003 وقد غير اسمه إلى «مجاهد». ما حدث هو جريمة مروعة بكل تأكيد ليس فقط لبشاعتها وإنما أيضاً لجرأة الشخصين على القيام بها في وضح النهار ومن دون خوف من أية عواقب لهما ولأسرهما. ناهيك عما يمكن أن يتعرض له المسلمون في بريطانيا بسبب هذه الهجمات الإرهابية. وهو ما حدث بالفعل حيث قامت مجموعة من البريطانيين المتطرفين الذين ينتمون ل «رابطة الدفاع» اليمينية بمهاجمة عدد من المساجد في شرقي لندن مرددين هتافات مناهضة للإسلام والمسلمين. حالة الرجلين اللذين هاجما الجندي البريطاني لا تختلف كثيراً عن حالة الأخوين تسارنييف (تيمورلنك وجوهار) اللذين ينتميان لأصول شيشانية والمشتبه بهما في تنفيذ الهجوم على ماراثون بوسطن في منتصف نيسان (أبريل) الماضي الذي أودى بحياة ثلاثة أشخاص وجرح العشرات. فمن جهة فإن جميع هؤلاء الشباب قد تم تجنيدهم وتبنيهم للفكر المتطرف عبر الإنترنت من خلال زيارة المواقع التي تبث مواداً إعلامية تحض على الكراهية والتشدد. ومن جهة أخرى، فقد قاموا بهذه الأفعال بعد استقرارهم في أوطانهم الجديدة وانخراطهم في نمط الحياة الغربية، وهو ما يشير إلى أزمة اغتراب واضحة لدى هؤلاء الشباب. ومن جهة ثالثة فإن الحادثين يكشفان فشل أجهزة الاستخبارات والأمن في بريطانيا والولاياتالمتحدة في وقف هكذا عمليات رغم وجود المهاجمين على قوائم المشتبه بهم. وهو ما من شأنه أن يدفع كلا البلدين إلى إعادة النظر في ملفات المتطرفين بشكل أكثر جدية لمنع مثل هذه الحوادث مستقبلاً. ما حدث في لندن ومن قبله في بوسطن يؤكد أن العالم قد دخل فعلياً مرحلة «الجهاد الفردي»، وهي مرحلة بدأت قبل سنوات قليلة ولكنها باتت الأكثر شيوعاً الآن. وخطورة هذا النوع من العمليات الإرهابية أنها أخطر بكثير من تلك الهجمات التي قد يتم التخطيط لها أو تنفيذها من خلال تنظيمات وجماعات أو شبكات بحيث يمكن إجهاضها مسبقاً ومراقبة القائمين عليها وتصفية شبكاتهم قبل القيام بهجماتهم. بيد أن التحرك الفردي لا يمكن التنبؤ به بسهولة. ويمكن رصد ملامح أولية لهذا النوع من «الجهاد الفردي» لعل أولها أنه بات الأكثر شيوعاً في حالات الهجوم على الآخر باسم الدين وهو ما تم رصده في حالات عديدة سواء في الولاياتالمتحدة أو أوروبا. ثانيها، أن هذا النوع من الجهاد يوجد له منظّرون كثُر بخاصة على شبكة الإنترنت كان من أهمهم على الإطلاق الشاب اليمني أنور العولقي الذي لقي حتفه قبل نحو عامين في غارة شنتها عليه طائرة أميركية من دون طيار. ولا ننسى الدور المهم الذي قام به العولقي في تجنيد الشاب النيجيري عمر الفاروق الذي حاول تفجير طائرة أميركية في أعياد الميلاد أواخر عام 2010. وكذلك نضال مالك حسن الجندي الأميركي الذي قام بفتح النار على زملائه في قاعدة «فورت هود» العسكرية بولاية تكساس ما أدى إلى مقتل حوالى 13 شخصاً. ومن جهة ثالثة فإن معظم حالات «الجهاد الفردي» تبدو أكثر انتشاراً بين الجيلين الثاني والثالث من المسلمين المقيمين في الغرب. وهو ما يعكس الشعور بأزمة هوية حقيقية واغتراب لدى هؤلاء الشباب ويعكس أيضاً مدى تغلغل الفكر المتطرف بينهم على حساب الخطاب الإسلامي المعتدل والمتسامح الذي يدعو إلى التعايش والاندماج. ومن جهة أخيرة فإن ثمة تزايداً واضحاً للفكر المتشدد بين الشباب المتحول من المسيحية إلى الإسلام. وهو أمر في غاية الخطورة لسببين أولهما أنه من الصعب رصد هذه الأفكار بين هؤلاء المتحولين بسهولة بسبب هويتهم الغربية. وثانيهما أنه يحمل مضموناً سلبياً تجاه الإسلام كديانة. ومثلما هناك حالات نجاح كثيرة للمتحولين إلى الإسلام إلا أن أفعال المتطرفين والمتشددين هي التي تلقى التركيز الإعلامي بسبب بشاعتها وتأثيرها في الرأي العام. عشت في بريطانيا على مدار الأعوام الأربعة الماضية وتواصلت مع كثير من المسلمين المقيمين في شمال شرقي إنكلترا، وقد لاحظت أمرين أولهما أن ثمة غياباً أو على الأقل تراجعاً ملحوظاً للتيار الإسلامي الوسطي المتسامح بين الشباب المسلم وذلك لحساب التيارات السلفية والراديكالية. وثانيهما أن ثمة نزعة انطوائية أو انعزالية متنامية لدى الكثير من هؤلاء الشباب داخل مجتمعاتهم الجديدة. بكلمات أخرى، فإن عملية دمج المسلمين، بخاصة الجيل الثالث، ضمن الأطر الثقافية والاجتماعية البريطانية تبدو عملية شاقة وصعبة بخاصة في ظل نمو اليمين المتشدد داخل بريطانيا والذي يدعو للتخلص من الأجانب خصوصاً المسلمين، وهو ما يعني تزايد الاحتكاكات بين هؤلاء في المستقبل وهو ما قد يزيد الأمور تعقيداً. * كاتب وأكاديمي مصري - جامعة دورهام - بريطانيا تويتر @Khalilalanani