مر المذنّب «سايدينغ سبيرنغ» الأحد بمحاذاة كوكب المريخ على مسافة 136 الف كيلومتر، وبسرعة تزيد على 200 الف كيلومتر في الساعة، في حدث فلكي لا يتكرر سوى مرة كل مليون سنة. فعند الساعة 18.27 بتوقيت غرينيتش مساء الاحد، «اقترب المذنّب البالغ قطره 800 متر الى ادنى مسافة» من الكوكب الاحمر، وهي توازي ثلث المسافة بين الارض والقمر، بسرعة 56 كيلومتراً في الثانية، لكنه لم يرتطم به، تماماً كما كان العلماء يتوقعون. وفي اجراء وقائي، عمدت الوكالة الاميركية للطيران والفضاء (ناسا) الى إبعاد مسباراتها التي تدور في مدار المريخ ووضعها في الجهة الخلفية من الكوكب، تحسباً من ان ترتطم بها قطع صغيرة قد تنفصل عن المذنّب وهو يقترب من الكوكب الأحمر بسرعة كبيرة. وعلى رغم ذلك، وجهت الوكالة اقمارها هناك «مارس روكونيسانس اوربيتر» و «مارس اوديسي» و «مايفن» لتلتقط صوراً وتجمع بيانات قيّمة اثناء مرور المذنّب. وعلى سطح المريخ، وُضع الروبوت «كوريوزيتي» والمسبار «اوبورتيونيتي» في حالة تأهب لالتقاط الصور والبيانات في سماء الكوكب. ويتوقع العلماء ان يتلقوا صوراً وبيانات عن هذه الظاهرة الفلكية في الايام والاسابيع المقبلة. ويعود اكتشاف هذا المذنّب الى كانون الثاني (يناير) 2013 حين رصده عالم الفضاء روبرت ماكنوت في مرصد «سايدينغ سبرينغ» في النمسا. وتشكَّل هذا المذنّب قبل بلايين السنوات في سحابة «أورت»، وهي سحابة كروية على اطراف المجموعة الشمسية تشكل خزاناً للمذنّبات التي يعتقد العلماء انها ما زالت على حالها منذ نشأة النظام الشمسي. وتثير المذنّبات اهتمام العلماء لاسباب كثيرة، اهمها انها تبقى بعيدة جداً من الشمس في حالة تجمد تحفظ عناصرها المكوِّنة كما هي عليه منذ تكونها قبل 4.5 بليون سنة. ومذنّب «سايدينغ سبرينغ» هو بحجم جبل صغير، ويتكون من غازات متجمدة، ولا سيما الميتان وأول اكسيد الكربون، وهي قابلة للذوبان السريع، لكنه لم يتعرض من قبل لحرارة قوية من الشمس، لذا لا يزال على حاله. وتتجه انظار العلماء الى هذه الظاهرة الفلكية لمراقبة اي اثر محتمل لكوكب المريخ على هذا المذنّب من حيث تنشيط التفاعلات فيه. وقد سافر المذنّب في الفضاء مليون سنة قبل ان يمر بمحاذاة المريخ، ولن يلتقي الجرمان مجدداً الا بعد ان يُتمّ المذنّب دورة جديدة حول الشمس، في مليون سنة اخرى. ويبدي العلماء منذ سنوات اهتماماً بالغاً بالمذنّبات، وهي اجرام صغيرة ذات نواة صلبة يكسوها الجليد والغبار، فهم يشبّهونها بالاسطوانات الشاهدة على نشأة النظام الشمسي الذي يقع فيه كوكبنا. وبناء على ذلك، يزوّد الاطلاع على ما في داخل هذه الاسطوانات من جليد ومواد اخرى العلم الحديث مؤشرات ذات اهمية قصوى حول اصل المجموعة الشمسية.