بدأت جولة محادثات دولية عن المناخ في بون أخيراً، تتناول ما بات الآن تحذيراً دائماً للحكومات لاعتماد سلوك أشد إصراراً مما هو سائد حاضراً، في سياق الصراع الهادف إلى الحدّ عالمياً من انبعاث غازات الدفيئة المتّصلة بالتغيّر في المناخ. وتستأنَف هذه المحادثات بالترافق مع معلومات تشير إلى أن الكربون في الغلاف الجوي سيبلغ على الأرجح مستويات قياسية في أيار الجاري. وفي خطاب خلال افتتاح أسبوع المحادثات السنوي، الذي من المفترض أن يرسي أسس عمل قمّة المناخ التي تنظّمها الأممالمتحدة في بولندا في وقت لاحق من السنة الحالية، حذّرت كريستيانا فيغيريس، رئيسة أمانة السر للجنة المختصة بالتبدّل المناخي في الأممالمتحدة، الديبلوماسيين من التباطؤ في الاستجابة لهذا التحدي الهائل. ونبّهت فيغيريس إلى أن الحكومات سبق أن أنفقت ثلث الوقت الفاصل بين «بيان دوربان» (2011) الذي يقضي بوضع الصيغة النهائية لميثاق دولي جديد عن المناخ، وبين مهلة عام 2015 المخصّصة للموافقة على هذا الميثاق. 400 مليون كربون في الهواء تأتي هذه المحادثات المستمرة، عقب صدور بيانات أخيراً عن مؤسسة «سكرايبس» SCRIPPS المرموقة في شؤون البحار وعلومها في «سان دييغو» (موقعها الإلكتروني هو sio.ucsd.edu). إذ أشارت هذه البيانات إلى أن مستويات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي ستقفز إلى ما يزيد على 400 وحدة في المليون، مع إمكان استمرارها لفترات زمنية مطوّلة عند هذا المستوى، بداية من الشهر المقبل، للمرة الأولى في تاريخ البشرية. ولأوقات طويلة، أصرّ علماء المناخ على أن من الضروري الإبقاء على مستوى الكربون تحت ال350 وحدة في المليون، إذا كان للعالم أن يمتلك فرصة جدّية لبلوغ الأهداف الدوليّة مناخياً التي تقضي بإبقاء متوسط ارتفاع حرارة الجو أقل من درجتين مئويتين. في المقابل، يضع ارتفاع مستوى ثاني أوكسيد الكربون إلى ما يزيد على 400 وحدة في المليون، الكوكب الأزرق على مسار من شأنه أن يوصل إلى ارتفاع في مستويات الحرراة تنذر بخطر كارثي. وتمنى عالم الكيمياء الحيوية الأميركي رالف كيلينغ ألا تكون بيانات «سكرايبس» عن الكربون صحيحة، لأنها تعني أيضاً أن البشرية لا تتمهّل في مراكمة غازات التلوّث، مع خطر أن يرتفع الكربون إلى ما يزيد على ال450 وحدة في المليون خلال بضعة عقود. في سياق مماثل، وصفت فيغيريس عتبة ال400 وحدة كربون في المليون، بأنها إشارة يجب ترجمتها بممارسة ضغوط متزايدة على الحكومات بهدف حضّها على تكثيف جهودها الهادفة إلى الحدّ من الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة. في المقابل، تُعقد جولة بون عن المناخ وسط جو من التفاؤل نسبياً، إذ سبقتها شهور من المفاوضات المشجعة في شأن مواضيع مناخية طال بحثها منذ عقود. وفي الفترة الأخيرة، أشارت مجموعة من الدول الأفقر، إلى أنها ربما تقبل بخفض الأهداف المحددة لانبعاثات غازات الدفيئة، إذا جاء ذلك في سياق اتفاقية أكثر طموحاً في عام 2015. وأشار مسؤولون في الهند إلى أنهم يعتزمون تقويم مدى استدامة التزمّت في أهداف تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة. طموح أكبر وواقعي أيضاً لفت مراقبون إلى أن معاودة انتخاب الرئيس أوباما وتعيين جون كيري في منصب وزير خارجية الولاياتالمتحدة يشيران إلى تحوّل في الموقف الأميركي حيال المفاوضات. فيما توقعت بعض المصادر أن يقبل الوفد الأميركي، الذي اعتاد إثارة العراقيل، أداء دور بنّاء بصورة أكبر في محادثات المناخ. وتطرّقت سلسلة اجتماعات عُقِدَت أخيراً بين كيري ونظرائه في الصين واليابان وكوريا الجنوبية، والاتحاد الأوروبي، لمسائل مرتبطة بتبدّل المناخ، بهدف السير صوب اتفاقيات واعدة في شأن تسريع وتيرة انتشار التكنولوجيا النظيفة. وكشف مصدر حكومي بريطاني رفيع المستوى لمجلة «بيزنس غرين» أن تحوّلاً ملحوظاً طرأ على المقاربة والطموحات التي ميّزت الولاياتالمتحدة، وكذلك الحال بالنسبة إلى القيادة الجديدة في بيغينغ. وأضاف أن أحد أهم أسباب التفاؤل يكمن في التركيز المتزايد على زيادة الطموحات في شأن الأهداف المرتبطة بالمناخ، وفي شكل واقعي أيضاً. وتعتمد محادثات بون اتجاهين، بمعنى أن يرتكز قسم من المفاوضات على «نطاق، تركيبة وتصميم» اتفاقية المناخ في عام 2015، وأن يسير القسم الثاني (سُميّ «فرقة العمل المختصّة حول دوربان)، نحو نشاط مكثّف في التركيز على استكشاف الطريقة التي من شأنها تعجيل وتيرة العمل الهادف للحد من الانبعاثات قبل العام 2020. ربما ليس من إنجازات كبيرة متوقعة، ولكن يتوقع أن يتعرض الديبلوماسيون لضغوط متزايدة للانتقال إلى صوغ مقترحات ملموسة حول عدد العناصر المُكوّنة لاتفاقية 2015 المقترحة، بما فيها طُرُق تحديد أهداف عادلة وطموحة في شأن انبعاثات الكربون، وكيفية التحكّم بتقليصها (والتأكد من تطبيق ذلك)، ودور ما يسمى ب «كوبونات الكربون» في أي اتفاقية جديدة، وسُبُل التأكد من أن الاتفاقية المنتظرة تسرع من الوصول إلى خفض مستويات التلوّث.