يحتاج الدخول إلى عالم الأطفال الخاص والمميّز عبر القصّة، إلى دقّة في التعاطي معه ومعرفة عميقة به، سواء على الصعيد النفسي أو الفكري، إلى جانب الإلمام بفن أدب الأطفال وتقنياته التي تتنوّع ما بين الأسلوب السلِس الذي يؤدّي المعنى بجماليّة ويوصل الفكرة بأسلوب غير مباشر، وعنصر التشويق الذي يجذب الطفل، ويجعله يتفاعل معه ويستمتع به. هكذا يبدو فن أدب الأطفال حسّاساً، لأنّ الطفل لدى استمتاعه بقصّة ما أو رفضه إياها، لا يقيم وزناً للمعايير الأدبية التي يقيمها الناقد «الكبير»، بل إنّ قيمة أدب الأطفال تكمن، بالنسبة إلى الطفل، في العالم الطريف الذي تبتدعه هذه القصص، في سلاستها، وفي عناصر التشويق أثناء سرد حوادثها. وبالتالي في قدرتها على جذبه إلى الاستمتاع بهذا الفن، وإلى التعوّد على قراءته، وهذا هو الأهم. وكما أنّ حاجة الأطفال إلى اللعب واللهو ضروريّة، فإنّ حاجتهم إلى سماع القصص وقراءتها، هي طبيعة متأصّلة فيهم أيضاً، وتلبية هذه الحاجة هي حتماً من الضرورات. فمن الممتع والمفيد معاً، أن نجد في المكتبات، مجموعة قصص جديدة موجّهة للأطفال، للكاتبة الجزائريّة شهرزاد العربي (مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام). تتألّف المجموعة من خمسة أجزاء بعناوين مختلفة وجذابة : «التحدّي»، «السباق الكبير»، «الشاهد المتّهم»، «المروّض الفاشل»، و»من أجل صديقي». وساهمت رسوم الفنان أدهم العُكش المنشورة في هذه القصص الخمس، في تصوير المشاهد، بألوان لافتة، وحركات تشير إلى الحالة. تهدف الكاتبة من خلال هذه المجموعة إلى تنمية خيال الطفل وحضّه على التفكير في حلّ المشاكل التي تواجهه، كما حدث مع الطفل عمر في قصة «التحدّي»، وقد لجأ إلى القاموس، فتحدّى «لثغته» التي كانت تتسبّب في سخرية زملائه منه. فتمكّن من أن يتفوّق عليهم، من خلال سعة اطلاعه وغناه بالمفردات والمعاني التي ما كانوا يعرفونها، حتى قال له صديقه : «إنّنا مدينون لك يا عمر بكلّ هذه المعلومات. لقد أثبتّ فعلاً أنك الأقوى في كلّ شيء. وكذلك الفتى خالد في قصّة «السباق الكبير»، الذي استطاع أن يربح السباق المخصّص للنوق، فسعى إلى تنشيط الذهن العربي بصفاتها، وإدراك أنه من الخطأ أخذ أي شيء من البيئة العربية مفصولاً عن لغته. وتمكنّت الكاتبة من أن تلمس الحسّ الإنساني عند الطفل في قصّتَي «من أجل صديقي» و «المروّض الفاشل». وتتميّز قصّة «الشاهد المتّهم» بحسّ الطرافة والفكاهة إلى جانب حضّ الطفل على حبّ الاختراع والاكتشاف. تجتمع قصص هذه المجموعة، والتي تحمل عنواناً رئيساً «القاموس القصصي للأطفال» إلى توجيه الطفل وإثارة فضوله لمعرفة مفردات لغته العربيّة والغنيّة، والتعرّف على صفات جديدة، ودور بعض الأسماء والغاية من وراء اختيارها، وإن كانت بعض هذه الكلمات الواردة، والموضوعة في فهرس، في آخر كل قصة، لم تألفها الأذن العربية المعاصرة، وتكاد تكون مهجورة، حتى لا نقول هجرها اللسان العربي منذ عهود. لكنّها تبقى محاولة ثمينة قامت بها الكاتبة بهدف إعادة إحياء هذه المفردات في زماننا المعاصر، وحملها من القاموس الكبير الذي يتجنّبه الأطفال، ووضعها في قصص صغيرة وملوّنة. حملت هذه المجموعة القصصيّة إذاً هدفاً مزدوجاً: يرتبط الأول بالمبادئ العامة للأدب الموجّه للأطفال من تنمية ذوق الطفل الجمالي، ورفع حسّه الإنساني، وملء وقت فراغه بما هو ممتع ومفيد... أمّا الثاني فيتعلّق بدعوة ملحّة إلى العودة إلى اللغة العربيّة، إلى القاموس، للتعرّف أكثر على هذه اللغة الأم من جهة، وإغناء ثقافة الطفل من جهة أخرى!