بكت، ثم ابتسمت، ثم بكت نسوة وزغردت أخريات ووزعن الحلوى ابتهاجاً، وتفاءلن خيراً عندما أعلنت ممرضة شابة أن نتائج تحليل الدم مخبرياً جاءت إيجابية. «أنت حامل»، قالت الممرضة لهناء الزعانين (26 سنة) من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة الخميس الماضي، فاختلطت دموع الفرح بالحزن على فراق زوج يرزح خلف قضبان السجن بين جدران رطبة لا تعرف المشاعر الإنسانية. قالت هناء ل «الحياة» أثناء وجودها في مركز البسمة للإخصاب أمس لإجراء فحوص إضافية للتأكد من سلامة الجنين: «كنت على يقين أني حامل. شعرت قبلها بيومين بأن في داخلي تغييراً ما، كنت مرتاحة نفسياً، ألحوا عليّ الذهاب إلى المركز ومقابلة مديره الطبيب بهاء الغلاييني، لكني آثرت التمهل. لم أكن قلقة، صليت الظهر ثم ذهبت». وأضافت: «أبلغت زوجي الأسير ثامر بنتيجة التحليل المخبري والحمل ففرح كثيراً». وأضافت: «كنت أتساءل بيني وبين نفسي: لماذا تحمل النساء في شكل طبيعي وأنا محرومة من ذلك؟». وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت زوجها ثامر في سجن «ريمون» القريب من سجن «نفحة» في صحراء النقب منذ الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2006 أثناء اجتياح بلدة بيت حانون في واحدة من سلسلة من العمليات العسكرية الإسرائيلية في أعقاب أسر الجندي غلعاد شاليت في 25 حزيران (يونيو) عام 2006. ويقضي ثامر حكماً بالسجن مدة 12 عاماً. أم ثامر قالت ل «الحياة»: «شعوري لا يوصف، الفرحة لا تسعني، بكيت وضحكت في وقت واحد». وأضافت: «كأن ثامر موجود وأكثر، فرحت لحمل زوجته وبكيت لغيابه، كنت أتمنى أن يكون معنا في تلك اللحظات». وقالت هناء: «بعدما علمت بنجاح حمل زوجة الأسير الزبن وإنجابها طفلها مهند العام الماضي، قررت أن أخوض التجربة نفسها»، مضيفة: «اعتقلت قوات الاحتلال ثامر بعد شهرين من زواجنا ولم يقع الحمل، ومرت السنون، فقررت أن أستشير زوجي وأهله وأهلي والطبيب الغلاييني الذين شجعوني على الإقدام عليها». رحلة طويلة عبر الأسلاك الشائكة وروت: «في 11 شباط (فبراير) الماضي، أرسل ثامر عينة من حيواناته المنوية في قطعة نايلون بسيطة». وكمن يستقبل زائراً أو ضيفاً عزيزاً، كان الجميع في الانتظار على أحر من الجمر. قطعت قطعة النايلون أكثر من 100 كيلومتر في نحو ست ساعات. وقالت أم ثامر: «كنا رتبنا للأمر مسبقاً، وكنا في انتظار العينة عند حاجز بيت حانون (ايرز)، وبلهفة أخذناها مسرعين إلى الطبيب». وأضافت هناء: «تمت عملية زرع الجنين في الثالث من الشهر الجاري، وتأكد الحمل» في 16 من الشهر نفسه. وأوضح الطبيب عبد الكريم الهنداوي المشرف على زرع الجنين في رحم هناء ل «الحياة» أنه «فور وصول العينة، تم حفظها في ظروف مواتية وتحت درجة حرارة مناسبة». وأضاف: «أشرفنا على العملية منذ اللحظة الأولى، وأبلغنا هناء أنه يجب عدم تعريض العينة لأشعة الشمس المباشرة، وألا يستغرق نقلها من السجن إلى المركز وقتاً طويلاً». كانت عائلة ثامر في سباق مع الزمن، خصوصاً أن عملية «تهريب» الحيوانات المنوية من خلف القضبان «معقدة» أمنياً، ولا يمكن الكشف عنها، كي لا تقوم سلطات الاحتلال بإعاقتها أو منعها في المستقبل. ويقول مدير مركز الأسرى للدراسات الأسير المحرر رأفت حمدونة: «هناك ست عمليات زرع أجنة لزوجات أسرى تمت بنجاح حتى الآن». وأضاف أن هناك «عمليات عدة فشلت، لكننا وثقنا ست حالات نجاح، ووضعت زوجة الأسير الزبن أول هؤلاء الأطفال». وكانت زوجة الزبن أنجبت طفلها مهند في 17 آب (أغسطس) الماضي بعد نجاح أول عملية زرع أجنة في رحمها. وقال الهنداوي إنه أجرى فحوصاً طبية كثيرة لهناء قبل عملية الزرع عن «طريق الحقن المخبري الذي يتم خلاله حقن الحيوان المنوي داخل البويضة في أنبوب خارج الرحم». وأضاف أنه تم خلال فترة «الحض على الإباضة ومدتها نحو ثلاثة أشهر قبل عملية الحقن المخبري، حقن هناء بحقن تنشط المبايض، وإجراء تحاليل للهرمونات والفحص التلفزيوني (ألتراساوند) وإعطاؤها فيتامينات». وأشار إلى أنه «بعد هذا التحضير الجيد، تبين أن نسب الحمل مرتفعة». ولفت إلى أن «نسب نجاح الحمل واستمراره حتى الوضع، عالمياً، تصل إلى 40 في المئة، وهي النسبة التي وصل إليها مركز بسمة». وبالنسبة إلى هناء، قال إن «نسبة نجاح حملها واستمراره ممتازة»، مضيفة أنها رغبت في الإنجاب بهذه الطريقة على رغم كلفتها المادية الباهظة. وتابعت أن مركز بسمة «تبرع» لها بكلفة عملية الزرع البالغة نحو ألف دولار (الدولار الواحد يعادل 3.6 شيكل). وأوضحت أنها أنفقت «نحو 8 آلاف شيكل حتى الآن على الفحوص الطبية والمخبرية والأدوية والفيتامينات وغيرها من متطلبات عملية زرع الجنين». وقالت إنها سعيدة جداً لأن الهنداوي أبلغها بأنها قد تكون حامل بتوأم. من جانبه، أوضح الهنداوي أن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستُظهر إن كانت حاملاً بتوأم، خصوصاً أنه تم حقن أربع بويضات وليس واحدة.