لا يمكن التغاضي عن المعرض الضخم الذي انطلق حديثاً في مركز بومبيدو لأحد أبرز وجوه فنّ الحركة (l'art cinétique)، الفنان الفنزويلي سوتو (1923 - 2004). فمن خلال عشرات الأعمال التي أنجزها هذا العملاق في باريس بين عامَي 1955 و2004. يسمح لنا المعرض بتشكيل فكرة واضحة عن مساره وباستكشاف خصوصيات فنّه الذي تبلور ضمن حوار ثابت مع وجوه الفن التجريدي (موندريان، ماليفيتش وموهولي ناغي) ولكن أيضاً مع أبرز معاصريه (إيف كلاين، جان تانغلي ودانييل سبورّي). وفور وصوله إلى باريس عام 1950، سعى سوتو إلى ابتكار لغة تشكيلية جديدة تقوم على استكشاف العلاقة بين الخطوط المتوازية والنماذج الهندسية المختلفة، وبين التصمَيمن الخلفي والأمامي لأي عمل فني، بهدف تمثيل الحركة. وضمن هذا السعي أنجز لوحاته الأولى التي سجّل فيها قطيعة مع قواعد التشكيل التجريدي عبر تنظيمه التتابع الإيقاعي للألوان والأشكال بطريقة تُظهر حركيتها البصرية. ولذلك لجأ إلى نماذج هندسية مكرّرة مرتين: مرة على لوح خشبي خلفي، ومرة على زجاج لدن (plexiglas) مثبّت على مسافة من اللوح الخشبي، الأمر الذي قاد إلى «تفجيرات بصرية» تحرّر التشكيلات الهندسية والتصاميم اللونية من ثباتها وتجعلها تظهر في حالة ارتجاج مدهش. ويجب انتظار مشاركته في معرض «الحركة» عام 1955 واكتشافه فيه القطعة نصف الكروية التي أنجزها مارسيل دوشان وجهّزها بمحرّك كي يحقق سوتو عمله الشهير «اللولب» الذي يتألف من لولبٍ أسوَد مرسوم على لوحٍ خشبي ومن لولبٍ أبيض أمامي مرسوم على صفيحة من الزجاج اللدن. ويمنح هذا العمل المتأمّل فيه شعوراً وهمياً بدوران اللولبَين ما أن يحرّك نظره على سطحه. وبعد عام 1958، توقف عن استخدام الزجاج اللدن واستبدله بمعدن يظهر في عمله على شكل خيوطٍ رفيعة أو مربّعات أحادية اللون تتقدّم لوحات متلّمة (striés) باليد وبالأبيض والأسوَد وتمنحها عدم استقرارٍ وهمي. ومن خلال هذه الاختبارات، حوّل سوتو مفهوم العمل الفني من وحدةٍ منجَزة من الأشكال والألوان المشكّلة إلى أداة التقاط واقعٍ متحرّك. وبذلك، اقترب من اختبارات الواقعيين الجدد الباريسيين ومجموعة «صفر» الألمانية التي شارك إلى جانب أعضائها بمعارض كثيرة. وبين عامَي 1958 و1962، وظّف الفنان في أعماله مواد حديدية سبق استخدامها. وخلال هذه المرحلة التي وصفها النقّاد «بالباروكية»، تردّد على بائعي الخردة وسوق البرغوت في باريس وسعى إلى برهنة قدرته على «تذويب» أي عنصر معدني بواسطة خلفياته المتلّمة، وبالتالي على إلغاء طابعه المادي بواسطة الارتجاج البصري. وانطلاقاً من عام 1963، تخلى سوتو عن الخردة في تجهيزات حققها انطلاقاً من خيوط حديدية تم تشكيلها بحرّية وتظهر على خلفيات ملوّنة بالمسطار فتبدو وكأنها كتابة داخل الفضاء. وبموازاة هذه التقنية، بدأ باستخدام خيوط نَيْلون كان يعلّقها في الفضاء أمام لوحات متلّمة لبلوغ «ارتجاج صافي» ومحرَّر من شعرية قطع الخردة. وتتميّز هذه الأعمال عن التلاعبات البصرية التي قادها أرباب حركة «أوب آرت (Op Art) بطابعها الكلاسيكي وبسعي الفنان فيها إلى إظهار الطبيعة المتحرّكة للواقع انطلاقاً من ثلاثية الفضاء - الزمن - المادة. وضمن هذا الجهد يندرج التجهيز الذي يحمل عنوان «الجسم المعلّق» (1968) ويتألف من ثلاثة عناصر: لوحٌ جداري ملوّن بالمسطار تتقدّمه مجموعة أولى من الخيوط العمودية الزرقاء ثم مجموعة ثانية من الخيوط العمودية السوداء؛ تجهيز يُشكّل حلقة وصل بين الأعمال التي أنجزها سوتو قبل عام 1967 وترتكز على الارتجاج البصري، والأعمال اللاحقة التي تستدعي مشاركة المتأمّل فيها وتخلّف لديه إدراكاً بصرياً وحسّياً معاً، كالتجهيز الذي عرضه للمرة الأولى في غاليري دونيز رونيه عام 1967 ويتألف من خيوط غزيرة معلّقة في السقف ويمكن للزائر تأمّلها من الخارج أو عبورها والتحرّك داخلها واستشعارها، ما يحوّله إلى جزء من هذا العمل ويسمح في الوقت ذاته لهذا الأخير بتسجيل حركته بدقّة. ومع تراجُع الاهتمام بفنّ الحركة في منتصف السبعينات، شهد عمل سوتو تطوّراً أخيراً تمثّل في عودته إلى مفهوم النتوءات الوهمية التي تلعب المربّعات الملوّنة فيها دوراً أساسياً. ففي سلسلة «التباسات» التي أنجزها في الثمانينات وجاءت نتيجة تأمّله العميق في المرحلة الأخيرة من عمل موندريان، تتفجّر الألوان على شكل مربّعات تتوزّع على كامل سطح اللوحة وعلى خلفيات متلّمة. ولأن كل لون فيها يبدو محمولاً بواسطة مربعات مختلفة الحجم، نجده يتفاعل مع الألوان الأخرى بطريقةٍ خاصة.