لم تمضِ ايام كثيرة على اجواء التفاؤل التي اشاعها الاعلان عن توافق روسي – اميركي ازاء حل الازمة السورية حتى برز بقوة عدد من المسائل الخلافية التي اعادت النقاش في عدد من التفاصيل إلى نقطته الأولى. وأعلن مصدر روسي مطلع أمس أنه يستبعد انعقاد المؤتمر الدولي بشأن سورية قبل حلول نهاية الشهر الجاري كما اتفق وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع الرئيس فلاديمير بوتين والوزير سيرغي لافروف الأسبوع الماضي. المصدر الذي وصفته وكالات الأنباء الرسمية بأنه قريب من الكرملين وشارك في المحادثات الروسية – البريطانية قبل يومين في سوتشي، عزا تقديره إلى «وجود عدد كبير من النقاط الخلافية التي لم يتم تذليلها». وقال ان لقاء رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مع الرئيس الأميركي باراك اوباما المقرر في واشنطن غداً «سيحدد بعض الامور. وبعد ذلك، ستجري اتصالات موسعة بين كل الاطراف. وأعتقد ان تحديد اطار زمني امر مبكر جداً. إنه أمر صعب، وليس واقعياً». بهذه الطريقة تكون الأنظار عادت لتنصب على اللقاء المنتظر بين الرئيسين اوباما وبوتين في ايرلندا الشمالية منتصف الشهر المقبل، باعتباره سيكون «حاسماً على طريق تذليل المسائل الخلافية ووضع خريطة طريق مقبولة من الجانبين لتسوية الملف السوري» كما قال مصدر ديبلوماسي روسي ل «الحياة» قبل أيام. وكان الوزيران لافروف وكيري أعلنا بعد محادثاتهما الاخيرة في موسكو قبل ايام عن «توافق روسي – اميركي لحل المشكلة السورية سياسياً». ونص الاعلان المشترك الذي أثار تفاؤل كثيرين على نية الجانبين الدعوة لمؤتمر دولي يشكل الحلقة الثانية من اتفاق جنيف الموقع صيف العام الماضي، ويهدف إلى وضع «آليات عملية لتطبيق ذلك الاتفاق عبر اطلاق نقاش لتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات في سورية بعد جلوس طرفي النزاع إلى طاولة حوار بإشراف أطراف دولية». ومنذ اللحظة الأولى شككت أطراف روسية بقدرة «التوافق» على الصمود، برغم اشارة كثيرين إلى أن الهدف الاصلي من اعلان التوافق تم تحقيقه وهو «نقل العلاقات الروسية – الاميركية من مربع الجمود الذي وصلت إليه ودخول مسار الحوار الثنائي حول كل الملفات الخلافية وبينها الموضوع السوري». لكن الخلافات أطلت برأسها فوراً وخلال المؤتمر الصحافي ذاته، إذ تجنب لافروف الحديث عن العقدة الأساسية بين الطرفين، وهي مصير الرئيس السوري بشار الأسد ودوره المحتمل في الحكومة الانتقالية، بينما قال كيري إنه لا يرى افقاً لمشاركة الأسد في رسم مستقبل البلاد. كما ترك الوزير الاميركي الباب مفتوحاً امام كل الخيارات، مؤكداً ان موضوع الاسلحة الكيماوية لا يمكن تجاهله. وفور مغادرة كيري موسكو عاد ليؤكد على النقطتين معاً. وقالت مصادر ديبلوماسية روسية ل «الحياة» إن موسكووواشنطن اتفقتا بالفعل على «الحل السياسي وعلى أساس ان يكون اتفاق جنيف قاعدة أساسية للتحرك»، لكنهما «اختلفتا عدا ذلك في كل التفاصيل». وإضافة إلى «عقدة» مصير الأسد، برزت جملة من الاسئلة الخلافية بينها طبيعة الحكومة الانتقالية وصلاحياتها وآليات تشكيلها، خصوصاً لأن الجانبين لم يتفقا على آلية الدعوة إلى المؤتمر الدولي، ما يضع تساؤلات حول امكانية حضور كل اطياف المعارضة فيه ومشاركتها في الحوار والوصول إلى نتائج. وبدا للروس أن تركيز الجانب الأميركي خلال الأيام الأخيرة أكثر من مرة على أن «الأسد لن يكون له مكان في سورية الجديدة» يرمي الى طمأنة أطراف المعارضة التي تضع شروطاً مسبقة للحضور إلى طاولة الحوار وممارسة ضغط عليها. مع ذلك، ظلت مسألة الكيفية التي ستقوم عليها الدعوة للمؤتمر موضوعاً خلافياً، إذ يقتضي كما قال ديبلوماسي غربي في موسكو اشراف مجلس الامن والامم المتحدة على المؤتمر الانتقال بقراراته إلى المنظمة الدولية لتحويلها إلى قرار ملزم لجميع الأطراف. وهنا لن يكون دور الاسد وصلاحيات الحكومة الانتقالية وحدهما على الطاولة، لأن موسكو أكدت مباشرة عدم نيتها التراجع عن تنفيذ عقود السلاح الموقعة في السابق مع دمشق. واللافت أن موسكو اختارت هذا التوقيت لإعادة الحديث عن نية تسليم دمشق انظمة صاروخية متطورة من طراز «اس 300» المتوسطة المدى، علماً أن روسيا سلمت دمشق في نهاية العام 2011 عدداً من بطاريات هذه الصواريخ. ويشكل موضوع الأسلحة ملفاً خلافياً اضافياً، خصوصاً ان صدور أي قرارات ملزمة عن المؤتمر المقترح سيشمل هذه القضية. ولم يكن مستغرباً ان تكون الملفات الخلافية بين موسكووواشنطن هي ذاتها التي برزت خلال محادثات بوتين مع كاميرون أخيراً. وأكد مساعد الرئيس الروسي يوري اوشاكوف امس، ان بلاده مستعدة للتعاون مع بريطانيا من أجل عقد المؤتمر لكنها تنتظر اشارة من الولاياتالمتحدة التي توجه اليها كاميرون بعد مغادرته موسكو. وأوضح أن الاتصالات والمشاورات تهدف إلى تحديد المشاركين وعددهم، واقرار جدول لأعمال المؤتمر، و «ضرورة تحديد متى واين يعقد وصفة المشاركين فيه والقرارات الايجابية المحتملة». وقال مساعد الرئيس الروسي، ان كاميرون لم يقترح خلال لقائه بوتين عقد المؤتمر في لندن بالذات، وشدد أوشاكوف على أن مكان عقد المؤتمر وعنوانه لا يلعبان دوراً رئيسياً، والمهم هو جوهر مناقشاته.