ما من شك في أن الاتفاق الأميركي – الروسي على عقد مؤتمر دولي لرسم آلية المرحلة الانتقالية في سورية، يمكن أن يشكل نقلة جديدة في سعي الدولتين العظميين الى حد أدنى من التوافق حول سبل معالجة الأزمة السورية، في وقت تخوضان صراعاً بالواسطة على أرض بلاد الشام تحكمه ضوابط كثيرة حتى الآن ومصالح كل منهما التي ليس أقلها إبقاء الحرب الدائرة فيها مشتعلة، كل لهدفه، وليس آخرها اختبار كل منهما لنفوذه الإقليمي، مهما كانت الفظاعات التي يرتكبها النظام السوري يومياً. وإذا كان كل من وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف وجون كيري أفصحا، بعد اجتماعهما في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين، عن قلقهما من تحول الأزمة السورية الى مواجهة إقليمية وبررا تفاهمهما الجديد بالحفاظ على وحدة سورية خوفاً من آثار تفككها على المنطقة ككل، فإن دوافعهما للتفاهم تعطي انطباعاً بأن هناك أسباباً جوهرية وراء محاولتهما التوافق. فالولايات المتحدة تحتاج الى تجنب أي خلاف مع موسكو ينعكس سلباً على الملف الذي تعطيه الأولوية وهو تطبيق العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن ضد إيران في ملفها النووي، وبالتالي هي تحرص على ألا تقوم بخطوة في الخصومة مع موسكو في ملفات أخرى، تقود الى انسحاب الأخيرة من الإجماع الدولي على العقوبات وفي مفاوضات 5+1 مع طهران. وعلى رغم أهمية اتفاق كيري – لافروف، فإن أوساطاً دولية وأوروبية تعاملت معه بحماسة محدودة، نظراً الى التجارب السابقة ومنها بقاء اتفاق جنيف حبراً على ورق بفعل التباعد بين موسكو وسائر الدول على تحديد آلية قيام «جهاز تنفيذي انتقالي كامل الصلاحية»، (نص جنيف)، بين أن يشترك الرئيس السوري بشار الأسد فيه أو أن يُبعد عنه. وتوحي التصريحات الأميركية بعد اتفاق موسكو على المؤتمر الدولي، أن الخلاف ما زال قائماً على هذه النقطة. يقود ذلك الى انطباع بأن السعي الى تطوير اتفاق جنيف يبقى محصوراً بالاتفاق على عدم الاختلاف من دون تفاهم على المضمون، خصوصاً أن لا دلائل على أن القيادتين الروسية والأميركية توصلتا الى أجوبة مشتركة على مجموعة من الأسئلة حول مضمون المؤتمر الدولي منها: 1 – مثلما طُرح السؤال بعد جنيف، وبعد كل مرة تم التفاهم فيها على آلية للحلول في سورية على مدى نيف وسنتين من الأزمة، حول موقف إيران منها، لا سيما أنها كانت خارج إطار هذه الحلول التي فشلت لاحقاً، فإن السؤال نفسه يُطرح الآن في شأن المؤتمر الدولي الذي تزمع موسكو وواشنطن الدعوة إليه: هل ستدعى إيران الى المشاركة فيه بعدما كانت استبعدت من مؤتمر جنيف هي والمملكة العربية السعودية؟ وهل ستُدعى السعودية الى المؤتمر الدولي الجديد إذا لم تتم دعوة طهران إليه؟ 2 – هل ستُدعى إسرائيل الى المشاركة في المؤتمر الدولي بعدما أدخلتها الغارات التي نفذها طيرانها الحربي على محيط دمشق لاعباً في الأزمة السورية، مقابل دعوة إيران إذا تمت دعوة الأخيرة؟ وهل تقبل طهران باشتراك تل أبيب في رسم مصير سورية، أم انه يتم استبعاد الدولتين معاً؟ هذا فضلاً عن أن دولاً عربية عدة معنية سترفض اشتراك إسرائيل في مؤتمر كهذا... في وقت ترى دوائر غربية عدة أن الإجازة الأميركية لإسرائيل لأن توجه ضرباتها الجوية في سورية هدفها إدخالها الحلبة السورية بحيث لا تنحصر باللاعبين الإقليميين الكبيرين تركيا وإيران، فضلاً عن الأهداف الأخرى التي تشمل اختبار الدفاعات الجوية الروسية في سورية التي ثبت أن في إمكان الطائرات الأميركية بقيادة إسرائيلية، تخطيها. فهل تقتصر وظيفة التدخل الإسرائيلي على اختبارات للأسلحة المتبادلة، أم على مواجهة «حزب الله» مع تلقيه الأسلحة عبر سورية، بحيث لا يكون لها دور في المؤتمر الدولي؟ 3 – أخيراً لا آخراً، إذا كان المؤتمر الدولي قادراً على احتضان توافق أميركي – روسي على تطوير صيغة جنيف للحل في سورية، فلماذا لا تختصر الطريق باتفاق الدولتين العظميين على استصدار قرار من مجلس الأمن يكون ملزماً للأطراف في سورية، على أن يشمل إرسال قوات حفظ سلام إليها أو قوات ضمان الاستقرار، لوقف القتال وتطبيق الحل السياسي، بدل انتظار رسم الحل في المؤتمر، الذي قد يتطلب الذهاب به لاحقاً الى المنظمة الدولية. الأسئلة كثيرة حول المؤتمر الدولي ومدى فعالية الاتفاق الروسي - الأميركي الأخير، في تسريع الحلول. ويبدو أن العمل من أجله سيتم على وقع التطورات الميدانية في سورية.