قصة ملحمية طويلة، تقارب الثلاث ساعات، وتجنح للمسرح نوعاً ما قدّمها فريق عمل فيلم «الجزيرة» في جزئه الثاني، لمخرجه شريف عرفة، عن سيناريو لمحمد دياب وخالد دياب. والفيلم كما هو معروف من بطولة أحمد السقا، خالد صالح، خالد الصاوي، وهند صبري. الفيلم الذي أثار جزؤه الأول (2007) ضجة بسبب تناوله قضية تجارة السلاح والمخدرات في مدن الصعيد، متوكئاً على سيرة غير رسمية للمجرم الأسيوطي (عزت حنفي)، ينبني جزؤه الثاني بالأبطال نفسها تقريباً، لكن بأبعاد وحيثيات جديدة، حيث جاء الوضع الأمني اللاحق على ثورة 2011 كخلفية زمانية، كما يشير التنويه في بداية العرض، فأحداث العمل تمتد من الرابع والعشرين من كانون الثاني (يناير)، وحتى منتصف 2012. وعليه فإن خريطة الصراعات تغيرت بالكلية. يحكي الفيلم قصة منصور الحفني، الذي يهرب من السجن أثناء فترة الانفلات الأمني الذي عاشته البلاد عشية جمعة الغضب في الثامن والعشرين من كانون الثاني، يتلقف الحفني الفرصة الإلهية، التي أنقذته من حكم الإعدام، ويقرر العودة الى الجزيرة واسترداد هيبته وملكه المسلوب على يد عائلة النجايحة التي تنتسب إليها حبيبته السابقة كريمة (هند صبري) والتي صارت بمثابة عدو له بعد أن أصبح بين آل حفني والنجايحة أكثر من حالة ثأر. تجميع عائلة الحفني يبدأ رحلة استعادة أمجاد العائلة بجمع شملها، فيعثر على ابنه علي (الممثل الشاب أحمد مالك) الذي قام بتهريبه صغيراً مع أخيه فضل (نضال الشافعي)، ثم يلم شمل أخواله من الرحايمة، وبعد ذلك يدخل في صراع مع كريمة على السيطرة على الجزيرة والحصول على لقب (الكبير). لكن الصراع هنا لن يقتصر على الأطراف الصعيدية المتناحرة، ولن تدخل فيه الشرطة والداخلية كطرف فاعل، إذ كانت الداخلية في تلك الفترة مجروحة وتعمل على لملمة شظايا كرامتها المهدورة في فترة الثورة. والطرف الثالث الذي سيظهر في مسار الصراع هم (الرحّالة)، والذين يتم تقديمهم كجماعة أو أخوية سرية، تقبل المنتسبين إليها من أي مكان أو مدينة شرط السمع والطاعة، وشرط أن يكونوا مسلمين. ويبدو أن المؤلفين هنا عمدوا إلى خلق نوع من الجماعات الإسلامية الجامعة، جماعة رمزية دالة تلخص كل فئات تيارات الإسلام السياسي من الإخوان (الشيخ جعفر يقرّ في أحد المشاهد باتفاقه مع منهج حسن البنا في السمع والطاعة) مروراً بالسلفيين انتهاء بالسلفية الجهادية، حتى أن ملامح «الرحّالة»، تحمل نوعاً من التصوف... وبين الرحّالة شيخهم جعفر (خالد صالح)، الذي يعمل جاهداً لاستغلال الوضع الأمني المتردي، والخروج من تحت الأرض، وتحت الأرض هنا تم ترجمتها بصرياً في شكل حَرْفي، فالجماعة تعيش في مغاور وكهوف تحت الأرض وفي الجبال، حيث تخزن الأسلحة وتمارس ثقافتها وأعرافها. الشيخ جعفر يعمل على استغلال الصراع الصعيدي - الصعيدي بين منصور الحفني وكريمة النجايحية، يطيح بمنصور عن طريق استغلال رغبة الأخير في مقارعة كريمة، ويورطه أمام أهل الجزيرة في عملية تصريف البضائع، ثم يعمل على الزواج من كريمة ليظفر بالرياسة، مستغلاً حقد هذه تجاه منصور بسبب الصراعات القديمة، فيجمع أهل كريمة في الفرح ثم يعمل فيهم النيران والأسلحة ويقضي عليهم. فالفرح لم يكن أكثر من كمين. كذلك يعمل جعفر الرحال على تصفية اللواء رشدي (خالد الصاوي) القابع في سجون ثورة يناير بوصفه أحد الضباط الذين أمروا بقتل المتظاهرين، والمتعاون مع منصور الحفني، بحكم المعرفة الطويلة بينهما، حيث يستطيع الحفني أن يهرّب اللواء من سيارة الترحيلات لكي يطلب منه أن يجد له من يشتري منه غلة مزارعي الجزيرة. محاولة الرحالة لاغتيال اللواء تبوء بالفشل، إلا أن زوجته وأبناءه يموتون بسبب تلك المحاولة. عوامل التميز في «الجزيرة 2» ثمة مساحة للكوميديا، والإيفيه، تتجاور كتفاً بكتف مع كميات هائلة من الدم والسلاح والقتل، فالممثل الهزلي نضال الشافعي يحضر في العمل بأداء مميز في دور الأخرس، والممثل اليافع أحمد مالك ذو الإطلالة المميزة والأداء المحترف يرفد الجانب الكوميدي، ليشكل هذان اللونان النقيضان، العنف والضحك، ضرباً من العبث، الذي كسا تلك الفترة، التالية لثورة 2011 والسابقة لثورة 2013، وهو الأمر الذي يحسب لفريق الفيلم، إضافة لذلك، جاءت الصورة على درجة من التميز، للمصور أيمن أبو المكارم، وهو التميز الذي يسري على ناهد نصر الله في الملابس وفوزي العوامري في الديكور. كما جاء الاستثمار الدرامي الذكي للحالة السياسية والمجتمعية التي عاشها المصريون في تلك الفترة، وبخاصة السنة التي تولى فيها الإخوان الرئاسة، حقبة الرئيس الأسبق محمد مرسي، ليكون عاملاً آخر لتميز الفيلم، واستثمار ذكي لسخونة اللحظة الراهنة، أو الماضي القريب جداً. فبالتماهي بما حصل مع الواقع، تستعدي جماعة «الرحّالة» كل الأطراف الأخرى، فقد خذلت منصور الحفني ثم حبسته في منزله بعد أن أوسعته ضرباً، كما خذل الشيخ جعفر كريمة النجايحية وقتل أهلها ليلة زفافهما، وبالمثل بات هناك ثأر بين اللواء رشدي وجعفر الرحال. وبسبب كل تلك العداوات، تشتبك الأطراف كلها في الصراع، ويتحالف آل حفني والنجايحة والرحايمة، مع اللواء رشدي، ممثل الدولة العميقة في الفيلم، مع أهالي الجزيرة، ليتصدوا للرحّالة. وكما هاجم المتظاهرون مكتب الإرشاد في المقطم، يهاجم أهالي الجزيرة جماعة الرحّالة في الجبال والكهوف، وينتهي الصراع بتهديد من الشيخ جعفر الرحال المحاصر بأنه سينسف الكهف على الجميع. كذلك كان لفريق التمثيل بما يضمه من أسماء رنانة دور في اشتداد المنافسة في التمثيل، الجميع كان على المستوى، السقا تألق في زيه الصعيدي، وخالد الصاوي كما اعتدناه دوماً على مستوى الحدث، وكذلك هند صبري، والراحل خالد صالح، وحتى الوجوه الثانوية كانت مميزة، ربما فقط عاب صالح عدم اتقانه لهجة خاصة بجماعة الرحّالة، فلم يتمكن من الإمساك باللهجة الصعيدية، ولا حتى منح اللهجة مسحة بدو شمال الصعيد.