إذا كنت تقيم في باريس أو عابراً منها، يمكنك أن تأخذ طريقاً مختصراً إلى مصر وتتناول «الشاي مع نفرتيتي» في صالة معهد العالم العربي! هذا المعرض اللافت الذي استضافته الدوحة سابقاً، بإشراف القيّمين اللبناني سام بردويل والبريطاني تيل فيلروث مؤسّسَي (Art Reoriented) المعروفين بعملهما الدائم على مشاريع فنية تحمل طابعاً معاصراً خاصاً، يستمرّ حتى الثامن من أيار (مايو) الجاري. ويحتوي «شاي مع نفرتيتي» على أشكال فنية غنيّة مختلفة (صور ضوئية، أعمال نحتية، لوحات زيتية، «فيديو آرت»...) تُدهش الزائر حيناً وتُدخله في نوبات من الضحك أحياناً، وتحيله إلى البحث وطرح الأسئلة المتعلقة بتاريخ الفن وتأريخه. فالمعرض «انعكاس لعملية مستمرة من الأبحاث بدأت من فترة طويلة جداً، وطرح الأسئلة ومحاولة إيجاد الإجابة عنها وزيارة العديد من المعارض والمجموعات الفنية وورش عمل للعديد من الفنانين»، يشرح بردويل. وكمتاهة في هرم مصري، يبدأ الزائر عبوره بعمل نحتي «لنفرتيتي» تم التنقيب عنه في العام 1912. ويوضح بردويل أن نفرتيتي هي الخط الجامع للأعمال الفنية الموجودة، ونقطة بداية في المعرض لمختلف الأقسام. ويضيف: «ركّزنا على كيفية تغيّر النظرة إلى العمل الفني عند إخراجه من مكانه، وهنا نأخذ مصر مثالاً، ونفرتيتي استعارة مجازية». يُقسم المعرض ثلاثة أقسام: الفنان، المتحف، المجتمع. وفي القسم الأول، نرى الفن من عيني الفنان نفسه وكيف يبتكر أعماله، وما هي المواضيع أو الأشياء التي أثرت فيه. ولأنه من الصعب التوصل إلى فهم الفنان بشكل كامل، يعمل بردويل وفيلروث دائماً على قراءة موسّعة عن الفنان من خلال أعماله ورسائله وما كُتب عنه، محاولَين تشكيل فهم كافٍ لإيجاد نقطة الالتقاء بين المجموعات الفنية للعديد من الفنانين وجمعها في مكان واحد، حيث هناك خيط يربطها على رغم اختلاف تواريخها. فهناك أعمال فنية تعود إلى ما قبل التاريخ، وأخرى من العصور الوسطى والإسلامية والحديثة. وفي النهاية، جمعت الأعمال ضمن إطار واحد وهو إيجاد مثال، هو في هذه الحالة مصر. ويضم قسم «الفنان» لوحات زيتية وأعمالاً نحتية ورسائل خطية لفنانين ولدوا في عصور مختلفة، وغيّروا منحى شكل فني معين. ومن الأسئلة التي يطرحها هذا القسم ما يتناول فنانين من الجيل نفسه، لم يحظوا بالنصيب نفسه من الشهرة رغم أن لأعمالهم وقعاً. رؤية مختلفة ونتعرّف في القسم الثاني «المتحف»، على «كيفية عرض المتاحف للأعمال الفنية وكيف من الممكن أن تصنع رؤية مختلفة للعمل الفني من خلال تأطيره ضمن إطار معين». ويقول بردويل: «أخذنا مصر كمثال أو كرابط للمجموعات الفنية المقدمة، من أجل بلورة الرؤية لمجموعة الأسئلة التي نطرحها من خلال المعرض، بدل أن نجمعها بشكل عشوائي، بحيث يستطيع المشاهد اتباع الرابط وفهم الأعمال الفنية من خلاله». ويتابع: «لذلك، نرى أن المعرض يجعلنا نعود دائماً إلى مصر، ولكن مصر الموجودة هنا عبارة عن قضية مطروحة كقاعدة للرؤية وكمنطلق لدراسة بحثية حول ما يمكن القيام به في علم المتاحف، وكيف نخطو في كتابة التاريخ الفني أو تاريخ الفن». ويطرح القسم الثالث «المجتمع» كيف يتطلب العمل الفني أحياناً أيقونة معيّنة، وكيف يُستخدم لتحريك العامة سياسياً واجتماعياً وتاريخياً. والمثال هنا المجتمع المصري، ففي ثلاثة أعمال فنية تختلف في الشكل (لوحة، عمل نحتي، فيديو آرت) وبتواريخ متباعدة، كان المجتمع المصري يقدّس أعماله الفنية في أحدها ويتهرب من انتمائه لها في زمن آخر. أما زمن «ثورة يناير» في مصر، فلم يغب عن «شاي مع نفرتيتي» الذي وزّعت في زواياه أعمال للفنان باسم يسري، تتناول يوميات الثورة التي عايشها بتفاصيلها، ومن أهمها تجهيز فني - نحتي بعنوان «ليس الأمر بالسهولة التي كان يبدو عليها». «الشاي مع نفرتيتي» هو ثمرة مجهود كبير بذله بردويل وفيلروث اللذان يعملان حالياً مع الفنان اللبناني أكرم زعتري للمشاركة في بيينالي البندقية 2014. وهي المرة الأولى التي يشارك فيها فنان لبنان في هذه التظاهرة المهمة عالمياً.