هل حدث ذات مرة لإدوارد كينيدي ان حمد ربه، لأن حادثة السيارة التي ضربت حظوظه في أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة منذ العام 1969، حالت بينه وبين البيت الأبيض، بالتالي بينه وبين أن يصبح رئيساً متقاعداً؟ قد يبدو هذا السؤال غريباً، بالنظر الى ان كثراً رأوا في تلك الحادثة فصلاً آخر من فصول حكاية النحس المحيط بسلالة آل كنيدي، منذ زمن بعيد... ولكن اليوم يبدو السؤال مطروحاً في وقت رحل فيه الابن الرابع لجو وروز كينيدي، في شكل طبيعي، بل هادئ البال بعدما كانت له مساهمة رئيسة في دفع الرئيس أوباما الى «عرش» البيت الأبيض وتمكينه من ذلك. والحال ان إدوارد كينيدي، كان لديه أكثر من سبب ليعيش هادئاً خلال السنوات الأخيرة. فهو من جهة كان ضرب الرقم القياسي بوصفه ثاني أكبر أعضاء الكونغرس سناً، وصاحب ثالث أطول ولاية في مجلس الشيوخ في التاريخ الأميركي، ومن جهة أخرى، كان يطربه لقب «أعظم مشترع في التاريخ الأميركي»، ناهيك بكونه يعتبر منذ سنوات طويلة الضمير الحي في السياسة الأميركية، وصاحب أكثر المواقف اخلاقية فيها. أما «لعنة آل كينيدي» الشهيرة، فكانت اضحت جزءاً من الماضي، وربما منذ عشر سنين، أي منذ قتل ابن اخيه جون في حادث الطائرة الشهير... إزاء هذا كله، هل كان يمكن احداً ان يتوقع من شقيق جوزف (الراحل في الحرب العالمية الثانية) وجون (الرئيس الذي اغتيل وهو في عز مكانته كواحد من اعظم الرؤساء الأميركيين) وروبرت (الذي اغتيل وهو على وشك الوصول الى البيت الأبيض)، أن يشعر بحزن كبير لأنه لم يصل الى الرئاسة التي كانت الأسرة كلها تتمناها له؟ ان لعنة آل كينيدي كانت توحي بأنه لو وصل، لكان صار جزءاً من تلك اللعنة. ومن هنا ربما شكّل عدم وصوله الى الرئاسة حزام أمان له، خلّصه من مصير ما، ولكن كذلك من ان يصبح سياسياً متقاعداً. ونعرف اليوم ان إدوارد كينيدي لم يكن من هواة تقاعد يزيّنه الشراب ولعب الغولف وفعل الخير دفاعاً عن قضايا بائسة. إدوارد كان من الذين يهوون الحركة المجدية. كان مناضلاً في هذا المجال... وهو أمر يعرفه اصحاب القضايا الليبرالية المحقة في اميركا والعالم، من الذين كانوا يعرفون ان في إمكانهم ان يعتمدوا على صغير الأولاد الكبار في سلالة آل كينيدي، وإن تساءلوا دائماً كيف لم يكن للحسناء ماري جوكوبشن ان تعتمد عليه يوم كان يقود سيارته عام 1969 في تشاباكويديك، فأفلتت السيارة وقتلت المرأة فيما نجا هو ليجابه عاصفة قضت على بعض مستقبله؟ لكنها لم تقض بالتأكيد على حياته السياسية كلها، فظل لست دورات متتالية سيناتوراً، بعد ان اصيب في حادث طائرة كاد يقضي عليه، وترك له جروحاً... وهو طوال تلك الفترة ظل يعتبر مرشحاً دائماً للرئاسة، ولكن ايضاً مدافعاً عن صورة أخلاقية ما، لأميركا. طبعاً هو لم ينجح دائماً في مهمته هذه، لكنه حقق نجاحات ظرفية مهمة ولا تنسى... ربما كان آخرها ايصال أوباما الذي أعلن غير مرة انه يدين له بالكثير - كأول اميركي من اصل افريقي يصل الى الرئاسة. وبهذا لا شك ان ادوارد كان وفياً لتراث شقيقه الأكبر جون، وشقيقه الثاني روبرت. لكنه لم يكن بالتأكيد محققاً لحلم الوالد، الذي كان يريد بعد نجاحه في جني ثروة لا تضاهى من تجارة الأفلام والكحول، ان يكوّن سلالة، فكوّن عائلة من الضحايا... اليوم، إذ يرحل «تد» (كان هذا لقبه وتصغير اسمه) قد يحلو لكثر ان يواصلوا الحديث عن لعنة العائلة... لكن كثراً في المقابل، سيفترضون ان نهاية «أسد مجلس الشيوخ» هذا على هذه الشاكلة وبعدما حقق انتصاره الكبير «بفرض» رئيس أسود على أميركا، إنما هي إشارة ما الى ان اللعنة انتهت. وأن العائلة - الأشهر في تاريخ أميركا - دفعت الضريبة اللازمة، وآن لها، أخيراً، أن تستريح!