عكست النتائج الاولية للانتخابات المحلية التي اعلنتها «المفوضة العليا» أمس تراجع «ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي في معظم المدن الشيعية، مقارنة بالمقاعد التي كان حصل عليها في انتخابات 2009 لمصلحة «ائتلاف المواطن» الذي يتزعمه عمار الحكيم وتيارات صغيرة اخرى. وتشير خريطة توزيع مقاعد مجالس المحافظات إلى عدم تحقيق اي ائتلاف او كتلة سياسية الغالبية المطلقة (50+1) في اي محافظة، وهي اقل نسبة تمكّن كياناً سياسياً من تشكيل الحكومة المحلية في المحافظة وحده، ما يعني تعقيد المشهد السياسي الذي ينذر بصعوبة كبيرة في تشكيل الحكومات المحلية، لا سيما في ظل التقاطعات السياسية والمذهبية والعرقية الحاصلة الآن. وأعلنت مفوضية الانتخابات اول من امس النتائج الاولية لانتخابات مجالس المحافظات. وقال رئيسها سربست مصطفى خلال مؤتمر صحافي في بغداد ان «هذه النتائج تمثل 87 في المئة من نتائج الانتخابات بالنسبة إلى المحافظات التي جرت فيها الانتخابات، على ان تعلن النسبة حين إكمال العد». وتراجع عدد مقاعد المالكي في مجالس المحافظات من 155 مقعداً في الانتخابات المحلية لعام 2009 الى نحو 98 مقعداً. ففي بغداد، حل المالكي في المرتبة الاولى بحصوله على 40994 صوتاً، ما يعني حصوله على نحو 22 مقعداً من أصل 58 وكان لديه 31 مقعداً، وهذا لا يمكنه من تشكيل حكومة بغداد المحلية إلا بالتحالف مع قائمة «متحدون» السنية التي يتزعمها رئيس البرلمان اسامة النجيفي، وقد حلت ثانياً بحصدها اكثر من 136 ألف صوت، اي ستحصل على 9 مقاعد. لكن اي تحالف بين قوائم المالكي والنجيفي امر مستبعد، لا سيما في ظل الخلاف القائم بين المالكي والنجيفي وباقي الزعماء السنّة. السيناريو الثاني للمالكي هو تشكيل ائتلاف موسع يضم ائتلافه وائتلاف «المواطن» الذي يتزعمه الحكيم وقد حصل على اكثر من 115 ألف صوت، ما يعني حصوله على 8 مقاعد. وفي حال فشل المالكي في التحالف، وهذا امر محتمل جداً في ظل الخلاف بين المالكي والحكيم فضلاً عن الانتقادات اللاذعة التي وصلت حد التقاطع السياسي بينه وزعيم «تيار الصدر» مقتدى الصدر، ويمكن ان تشكل قوائم «متحدون» و «المواطن» بالإضافة الى «الاحرار» والعراقية العربية (يتزعمها صالح المطلك) تحالفاً يقود الحكومة المحلية. وفي المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية لا يختلف المشهد كثيراً، فائتلاف المالكي على رغم تحقيقه المركز الاول، الا انه خسر الكثير من المقاعد التي حصل عليها عام 2009 ، ففي البصرة التي كان يمتلك فيها 21 مقعداً من بين 35 مقعداً، حصل على 15 مقعداً، ما يجبره على التحالف مع قوائم اخرى. قادة «ائتلاف دولة القانون» حاولوا مغازلة ائتلاف «المواطن» الذي يتزعمه عمار الحكيم (رئيس المجلس الاعلى الاسلامي) وحصد 62 مقعداً في المحافظات المنتخبة، لكن الاخير يبدو انه غير متحمس للتحالف مع غريمه السابق الذي أقصاه من كل المناصب الحكومية في الدورة الانتخابية السابقة. الناطق باسم «المجلس الاعلى الاسلامي» حميد معلة قال ل «الحياة: «اننا نريد شراكة الجميع. شراكة الأقوياء وعدم تهميش احد»، لكنه أضاف، «لدينا برنامج لكل محافظة ونريد صلاحيات واسعة اقرها الدستور والقانون، كما نريد سقوفاً زمنية لتنفيذ الخدمات، وأى قائمة تتفق معنا على البرنامج والرؤية سيكون مرحباً بها». وأضاف ان «دولة القانون مقربة، لكننا لن نستبعد الآخرين»، مؤكداً ان «لا خيار لمجالس المحافظات في الدورة المقبلة إلا النجاح». تجدر الاشارة الى ان احد اسباب الأزمة السياسية المطبقة في العراق منذ منتصف العام الماضي هو رفض المالكي اعطاءها الصلاحيات التي نص عليها «قانون مجالس المحافظات الرقم 21 لسنة 2008». ويعتقد مراقبون ان السيناريو الاقرب في المحافظات ذات الغالبية الشيعية هو تشكيل تحالف بين قوائم الحكيم والصدر وبعض القوائم الصغيرة الفائزة، لا سيما ان كل المصادر المقربة من المرجع الشيعي الاعلى آية الله علي السيستاني ومراجع النجف الكبار الآخرين تؤكد «سخط» المرجعية وعدم رضاها على أداء المالكي ومجالس المحافظات. وتؤكد المصادر ان «المرجعية حضت اكثر من مرة من خلال وكلائها او صراحة الحكيم والصدر على عدم الاتحاد مع المتهمين بالفساد او من الاحزاب والكيانات التي قادت المحافظات في الدورة الانتخابية السابقة». والعامل الاكثر وضوحاً في الانتخابات الجديدة هو حصول نحو 20 قائمة انتخابية ذات طابع محلي على مقاعد في الحكومات المحلية المقبلة، ما يجعلها هدفاً للقوى الكبيرة. وكانت الانتخابات المحلية جرت في 20 نيسان (ابريل) الماضي في 12 محافظة من اصل 18 محافظة عراقية، اذ تم تأجيلها الى 4 تموز (يولو) في محافظتي الأنبار والموصل بسبب الوضع الامني، فضلاً عن تأجيل الانتخابات في محافظة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، ومحافظات اقليم كردستان الثلاث التي لها وضع خاص.