كانت قبضة الحكومة المركزية في ليبيا على مدينة بنغازي بشرق البلاد متراخية منذ فترة طويلة لكن تفجير السفارة الفرنسية في طرابلس يكشف أن سيطرتها على العاصمة قد تكون الآن عرضة للخطر ايضاً. وخرب تفجير سيارة ملغومة في الصباح الباكر يوم الثلثاء السفارة الفرنسية وأصاب حارسين فرنسيين في أهم هجوم على المصالح الأجنبية في ليبيا منذ هجوم القنصلية الأميركية في بنغازي في أيلول (سبتمبر). وقتل السفير الأميركي وثلاثة أميركيين آخرين في هجوم بنغازي الذي أثار خلافاً سياسياً طويلاً في واشنطن حيث اتهم الجمهوريون ادارة الرئيس باراك اوباما بحجب معلومات بينما دافع البيت الابيض عن أسلوب معالجته للقضية. وجاء تفجير السفارة الفرنسية ضربة لأمل الحكومة الليبية في بسط سيطرتها على البلاد بعد حرب عام 2011 التي أطاحت معمر القذافي وكان الأول من نوعه في طرابلس. ووصفته فرنسا وليبيا بأنه «عمل ارهابي». وقال مصدر ديبلوماسي غربي في طرابلس «في ضوء الاحداث في بنغازي في العام الأخير قد لا يكون مثيراً للدهشة انه حتى المناطق التي تخضع لمقدار أكبر من سيطرة الدولة غير محصنة. الناس لا يمكنها ان تشير الى الشرق فحسب الآن». ووجود قوات أمن الدولة أوضح في العاصمة منه في أي مكان آخر حيث تنتشر الشاحنات الصغيرة المدججة بالسلاح لحماية الوزارات أو الحراسة في مفارق الطرق. لكن المدينة التي يبلغ عدد سكانها 1.7 مليون نسمة ليست بمعزل عن العنف فكثيراً ما تدوي الأعيرة النارية في لياليها في معارك بين الكتائب المسلحة المتنافسة. وفي الشهر الأخير اقتحم افراد ميليشيا يشعرون بالغضب وزارة العدل وخُطف مساعد لرئيس الوزراء وتعرضت سيارة تقل رئيس المؤتمر الوطني العام لاطلاق النار. ويتعرض الأجانب للاستهداف بالجرائم العادية مثل خطف السيارات والسرقة ولكن كان ينظر الى المدينة على أنها آمنة نسبياً مقارنة ببقية أنحاء البلاد. وقال نزار كعوان عضو المؤتمر الوطني العام إن الأمن في ليبيا يرتبط بالحالة التي أعقبت الثورة وبأن وزارتي الداخلية والدفاع تمران بعملية إعادة بناء. وأضاف أن ميزان القوى ليس في مصلحة الدولة حتى الآن رغم انه يجب ان تكون لها السلطة الكاملة في البلاد. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن التفجير لكن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي هدد فرنسا مرات عدة أحدثها الاسبوع الماضي بالانتقام من تدخلها في مالي. وكان الغربيون في المنطقة في حال تأهب منذ أزمة احتجاز الرهائن في محطة عين أميناس للغاز في الجزائر في كانون الثاني (يناير) الماضي. وقال مسؤولون إن من السابق لأوانه تحديد المسؤول. وفي بنغازي كانت بعثات بريطانيا وايطاليا والامم المتحدة والصليب الأحمر هدفاً للعنف. ويقول مسؤولون اميركيون إن متشددين لهم علاقة بجماعات مرتبطة ب «القاعدة» هم على الارجح الذين قاموا بهجوم بنغازي في 11 ايلول (سبتمبر). وقال وزير الداخلية عاشور شوايل للصحافيين إنه لا يمكن القول على نحو مؤكد إن لهذا الهجوم علاقة بما حدث في بنغازي وإن المشكلة ليست أمن السفارات فحسب وانما أمن البلاد كلها. وكانت الحوادث السابقة في طرابلس صغيرة مقارنة بهجوم الثلثاء. ففي حزيران (يونيو) انفجرت قنبلة صغيرة خارج قنصلية تونس وفي كانون الثاني (يناير) ألقيت قنبلة على مبنى خال كان مسؤولون من الأممالمتحدة فكروا في استخدامه. وقالت كلوديا جازيني من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات إن الهجوم «يشير الى ان ما كان متصوراً في الماضي انه بعض الجماعات المنعزلة التي تعمل في الشرق هو على الارجح وفي واقع الأمر شبكة أوسع لها صلات في شتى انحاء البلاد». وأضافت: «قد يكون العمل وتنفيذ مثل هذه الهجمات أسهل في الشرق أما في طرابلس فعدد أفراد قوات الأمن الحكومية أكبر كثيراً لكن هذا لا يعني بالضرورة ان هناك سيطرة على العاصمة». وحاولت حكومة رئيس الوزراء علي زيدان التصدي للجماعات المسلحة من خلال حملة أطلق عليها عملية طرابلس تهدف إلى طرد الميليشيات من المباني العامة. لكنها واجهت مقاومة وما زالت لا تسيطر إلا على عدد صغير من ضباط الشرطة والجيش المنضبطين الذين يفوقهم عدداً الآلاف من افراد الميليشيات. وقال عبد الحكيم محمد عضو اللجنة الأمنية العليا وهي تضم مقاتلين معارضين سابقين وأضحت الآن أفضل تسليحاً وأقوى من الشرطة انه لا يوجد امن في الليل ولا تشاهد دوريات من الشرطة. وأضاف ان الوزراء يواصلون وصفهم بالميليشيات لنزع الثقة عنهم. ويقول محللون إن جماعات مختلفة يمكن ان تكسب من مهاجمة المصالح الفرنسية في ليبيا لكنهم يشيرون ايضاً الى الصراع على السلطة بين السلطات الليبية والميليشيات. وقال جيف بورتر مدير مؤسسة استشارات المخاطر بشمال افريقيا «تفجير السفارة الفرنسية ربما كان جزءاً من حرب للميليشيات. إشارة الى زيدان أن الافضل له ألا يقترب من ميليشيات طرابلس الأقوى والافضل تنظيماً وربما يكون الافضل ترك عملية طرابلس تنتهي تدريجاً». ومن المرجح الآن ان تشدد البعثات الديبلوماسية الأمن في ضوء هذا الهجوم الذي قد يبعد ايضاً المستثمرين. وقال ريتشارد كوتشرين المحلل بمؤسسة «آي إتش إس» لمعالجة المعلومات «الكشف عن ضعف العاصمة أمام هجوم ارهابي سيكون بمثابة ضربة قاسية لجهود الحكومة الليبية المتعثرة لاعادة ثقة المستثمرين في البلاد».