حالت ظروف «قاهرة» دون لقاء «الحياة» مباشرة مع بيل ماك ديرموت، المدير التنفيذي لشركة «ساب» SAP العالمية، وهي الأضخم عالمياً في صناعة البرمجيات الرقمية المتّصلة بالأعمال، أثناء جولته في الخليج العربي قبل أسابيع قليلة. لم يحل ذلك دون محاورة ماك ديرموت، الذي صُنّف بين أفضل مديري شركات الكومبيوتر في العام 2010، ولو بطريقة غير مباشرة. وبذلت شركة «واليس للاستشارات» Wallis Marketing Consultants (مقرها دبي، ويديرها الأميركي مايكل واليس)، جهوداً دؤوبة دعمتها علاقة صداقة قوية مع واليس، لإتمام هذا الحوار. والأرجح أن شركة «ساب» لا تحتاج إلى تعريف، إذ توازي «ساب» «مايكروسوفت» و «آبل» في صناعة برمجيات الأعمال، مع الإشارة إلى أن حجم «ساب» سوقياً يبلغ 60 بليون يورو (قرابة 80 بليون دولار)، فيما وصلت عائداتها إلى 16 بليون يورو (قرابة 21 بليون دولار) في العام 2011. تحدّث ماك ديرموت عن خبرة «ساب» في مجال المعلوماتية المتنقّلة، مُشيراً إلى أن الأجهزة الذكيّة المحمولة باتت العنصر الذي يرسم طُرُق العيش والعمل في المجتمعات المعاصرة، وهو مفهوم أضحى مركزياً في توجّهات الشركة، خصوصاً أن مفهوم التنقّل Mobility في المعلوماتية والاتصالات يقدّم للشركات فرصاً لتحقيق منافع جمّة. «عندما نُصمّم برنامجاً معلوماتياً، نضع التنقّل في بؤرة الاهتمام. نحن من روّاد ثورة التنقّل، بل نملك قدرة خاصة على نقل الأشياء الأساسية في أعمال الشركات إلى المعلوماتية المتنقلة، خصوصاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تدمج «ساب» بين تقنيّات تُمكّن الشركات من الإمساك بناصية المعلوماتية المتنقلة من جهة وبين بساطة الاستخدام التي يتطلّبها الجمهور من جهة أخرى. نعمل على تحقيق مفهوم «الوصول في كل وقت ومكان» على الأرض، وعلى الأجهزة كافة، ويجري هذا عبر مروحة واسعة من التطبيقات («آبليكاشنز» Applications) المتّصلة بالأعمال، وكذلك الحال بالنسبة إلى البوابات الرقميّة»، وفق ماك ديرموت. واستطراداً، تجدر الإشارة إلى بعض الحقائق المتعلّقة بهذه المسألة، كاستعمال برامج «ساب» من قِبَل ما يزيد على 60 مليون شخص عالمياً، ما يعزّز حيازة الشركة قرابة 85% من نشاطات «لائحة فوربس للشركات ال100». وتتعامل الشركة مع قرابة 1.8 بليون رسالة يومياً، يتناقلها 5.5 بلايين مشترك لديها، وهؤلاء يمثّلون ما يزيد على 90% من جمهور الأجهزة المتنقّلة. وتتوقّع شركة «غارتنر» Gartner المتخصّصة بالأسواق الرقميّة، أن تتفوّق الأجهزة الإلكترونية المحمولة عددياً على أجهزة الكومبيوتر عند نهاية العام الحالي. المعلوماتية المتنقّلة في عصب الزمن وفي هذا السياق، اشترت «ساب» شركة «سايكلو» Syclo المتخصّصة في التقنيات الرقمية المتنقّلة، قبل قرابة عام، ما عزّز خبرات «ساب» في هذا المجال، كما مكّنها من صنع حلول معلوماتيّة متنقلّة للأعمال المتّصلة بالصناعة والنفط والغاز وعلوم الحياة وغيرها. كذلك عزّزت هذه الصفقة القدرة على نشر منصة «سايبايز آنوايرد بلاتفورم» Sybase Unwired Platform الرقميّة التي باتت جزءاً من البنية التحتية الرقمية ل «ساب» بالنسبة الى إدارة التطبيقات المخصصة للأجهزة المحمولة. وحاضراً، تقدّم الشركة وشركاؤها قرابة 70 تطبيقاً من هذا النوع، مع وجود 200 تطبيق قيد الإنجاز. ووفق شركة «آي دي سي» IDC المتخصّصة في التقنيات الرقميّة، ينتشر تطبيق «أفاريا» Afaria لحماية البيانات الذي تصنعه «ساب» في 20% من الأجهزة المحمولة، ما يضعه في المرتبة الأولى عالمياً. وكذلك صنّفت «غارتنر» شركة «ساب» بوصفها الأكثر نشاطاً في تطبيقات الأجهزة المحمولة. وتتوقع الشركة الحصول على عائدات من هذه التقنيات بقرابة 39 بليون دولار، بحلول العام 2015. تناول الحوار الإلكتروني عينه نظرة ماك ديرموت، الذي يدير 55 ألف موظفٍ يتفاعلون مع 24 صناعة، إلى أداء الشركة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولاحظ ماك ديرموت أن العام 2012، كان الأضخم في عمل «ساب» في هذه المنطقة. وقال: «سجّلنا عائدات قياسية، مع الاستمرار في التوسّع والابتكار. حازت «ساب» ما يتراوح بين 2 و3 زبائن جدد أسبوعياً في 2012، بمعنى أننا أضفنا 126 زبوناً جديداً لتقنياتنا في المعلوماتية المتنقلة و «حوسبة السحاب» Cloud Computing أيضاً». أداء شرق أوسطي متميّز في السياق عينه، وكمؤشّر إلى طموحاتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقياً، وظّفت «ساب» قرابة 200 شخص، كما أسّست مكاتب في جدّة (السعوديّة) وقطر والكويت وعُمان وأبوظبي (الإمارات). وانضمّ 18 شريكاً إلى أعمال «ساب» في هذه المنطقة. وكذلك درّبت الشركة قرابة 60 مستشاراً ضمن برنامجها للشركاء، كما درّبت قرابة 400 موظّف يعملون في صفوف 81 مؤسسة من شركائها، على برامج أساسية من صنع «ساب». وفي سياق متصل، أطلقت الشركة «برنامج المحتَرِف الشاب»، فشمل 40 خريجاً في السعودية ومصر. وانضمت 5 مؤسسات إلى «برنامج جامعة آلاينس» University Alliance Program (اختصاراً «يو إيه بي» UAP). وبات «يو إيه بي» يشمل 26 عضواً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع توقّع أن يتضاعف هذا الرقم خلال السنوات الأربعة المقبلة. يحتل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موقعاً مركزياً في استراتيجية النمو الطويلة المدى ل «ساب»، مع السعي لمضاعفة حجمها سوقياً، والوصول إلى بليون شخص، وتحقيق عائدات تربو على 20 بليون يورو في 2015. تسعى «ساب» لتحقيق هذه الأهداف عبر برنامج عمل متشعّب، يتكوّن من استثمارات متزامنة في 5 حقول متداخلة هي: تعزيز موقعها القيادي في التطبيقات، وتوسيع حضورها في البرمجيات التحليلية «آناليتكس» Analytics، ونيل المرتبة الأولى في «حوسبة السحاب»، وتعزيز قوّة انتشارها في المعلوماتية المتنقلّة، والنمو بالسرعة القصوى في التقنية وقواعد البيانات. جرى نقاش تأسيس «ساب» لمعهد للتدريب والتطوير في دبي، وكذلك إعلانها أن صفوفه تضمّ ألفي مستشار، ما أثار سؤالاً عن وظيفة هؤلاء المستشارين. وأفاد ماك ديرموت بأن المستشارين يقدّمون الخبرة والدعم لمن ينفّذون برمجيات «ساب»، إذ يخضع المستشارون لتدريب شاق لنيل شهادة قبل أن يدخلوا هذا الحقل، ويعملون مباشرة لحساب «ساب» أو شركائها من الشركات. «نلمس طلباً قويّاً في السوق لمستشارينا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وننسق نشاطاتنا بما يؤدي إلى زيادة عددهم بطريقة مؤثّرة، ما نأمل بأن يولّد أثراً إيجابياً في اقتصاديات هاتين المنطقتين، إذ يدخل المستشارون ابتكارات من شأنها تغيير قواعد اللعبة في الأعمال، كما يشكّلون إضافةً إلى السوق المحليّة. إنهم يعطون مثالاً مثيراً عن المستقبل المهني للخريجين المحليين أيضاً»، وفق كلمات ماك ديرموت. وفي التفاصيل أن «معهد التدريب والتطوير» يهدف إلى إعطاء شهادات لقرابة ألف مستشار، خلال السنوات الأربع المقبلة، إضافة إلى أنه يعزّز توطين حلول «ساب» وتعريبها، ما يجعلها قادرة على ملاقاة حاجات هذه الصناعة التي تنمو بسرعة في الش``رق الأوسط وشمال أفريقيا. وهناك مبادرة منسّقة لرسم ملامح مستقبل المعلوماتية في المنطقة عبر التعاون مع شركاء محليين في الابتكار وصناعة الحلول، في حقول كالمعلوماتية المتنقلّة و «حوسبة السحاب» وإدارة المدن ووظائف المُدُن الذكيّة والصيرفة الاسلامية، ويضاف إلى هذه الصورة تعزيز الروابط مع برنامج «يو إيه بي». واختار المعهد «واحة السيليكون-دبي» مقراً له، نظراً إلى ما تتمتع به من مصادر تقنية وموقع جغرافي وبيئة تعليمية مثمرة. وثمة خطط مستقبليّة لإنشاء معاهد تدريب وتطوير في أسواق محورية ل «ساب»، كالمملكة العربية السعودية. «آبليكايشنز» و «حوسبة سحاب» توسّع النقاش مع بيل ماك ديرموت، وهو يعمل انطلاقاً من مكاتب الشركة في ولاية بنسلفانيا الأميركية، ليشمل ظاهرة التطبيقات «آبليكايشنز» Applications التي تتوسع بصورة انفجاريّة، خصوصاً لجهة مستقبل هذه الظاهرة في المنطقة العربية. وأعرب ماك ديرموت عن اعتقاده بأن صناعة التطبيقات تغيّر طريقة عيش الناس وتفاعلهم مع عوالمهم. وقال: «نتوقع أن تولّد الأجهزة الذكيّة المتنقّلة معظم النمو في سوق المعلوماتية خلال هذا العام. وستغيّر المعلوماتية المتنقّلة قواعد اللعبة في مبيعات التجزئة، وعمل الحكومة، والرعاية الصحيّة، وصناعة النفط والغاز. نتوقع أن نرى التغيير في الدول العربيّة، على غرار ما يحدث في أرجاء الكرّة الأرضيّة. التفتت «ساب» إلى أهمية التطبيقات المتّصلة بالأجهزة المحمولة في وقت مبكر، فعمدت إلى شراء شركة «سابيز» في 2010. وبالتعاون مع شركائنا، نقود العمل على جيل جديد من التطبيقات المتّصلة بمؤسسات الأعمال. ولحد الآن، صنعنا قرابة 40 تطبيقاً لتحسين أداء الأعمال، ووضعناها في مخزن «آي تيونز». إنها جزء من مفهوم أن يكون العمل متحرّراً من الأسلاك، وأن ينجز في أي وقت ومكان. مع الضجّة المُثارة حول «حوسبة السحاب»، برز سؤال عن سبب إلحاحها حاضراً، واعتبارها مسألة حاسمة في هذه المنطقة، والمنافع التي تقدّمها فعليّاً إلى اقتصادات المنطقة، إضافة إلى السؤال عن وجود مثال حاسم عن الفعاليّة المرتجاة من الانتقال إلى «حوسبة السحاب». واستهل ماك ديرموت إجابته بالإشارة إلى أن «حوسبة السحاب» هي مُكوّن أساسي يساعد الشركات على تحسين إدارة أعمالها. وأضاف: «أود الإشارة إلى ملمحين مهمّين في «حوسبة السحاب». أوّلاً، هناك التجربة المثيرة التي يعيشها المستخدم عبر القدرات التي توفّرها له تطبيقات «خفيفة» وسهلة، ما يعزّز أداءه في العمل. وثانياً، تقدر «حوسبة السحاب» على تقليص البنيّة التحتية التي تلقي بثقلها على كثير من المؤسسات، سواء بسبب الكلفة العالية أم بسبب التعقيد التقني. بقول آخر، ثمة إمكان لصنع «سحاب» معلوماتي خاص أو عمومي، أو ربما المزج بينهما. في السنة الفائتة، اشترت «ساب» شركة «آريبا» Ariba ما وضع شركتنا في المرتبة الأولى في الشبكات المستندة إلى «حوسبة السحاب» والمخصّصة للتجارة والتعاون بين مؤسسات الأعمال. وتعتبر «ساب» حصناً ل «حوسبة السحاب»، لأن حجم ما نمارسه من عمل عبر هذه الحوسبة يفوق بليون دولار». [email protected]