لم تعد المشاجرات أمراً نادراً على شاشات الفضائيات العربية، بل غدت أشبه بظاهرة ملازمة لغالبية البرامج التي يسعى مقدموها الى استفزاز الضيوف، ودفهم الى التورط في مماحكات ومشاجرات صاخبة مملوءة بالشتائم تصل، أحياناً، الى حد التشابك بالأيدي ورمي أحدهم الآخر بأقرب شيء تصل إليه يده، كما شاهدنا في برنامج عرض على إحدى الشاشات، أخيراً، حيث قذف أحد الضيوف خصمه بكأس ماء. ولكن يبدو أن هذا المزاج العدائي لم يعد مقتصراً على الضيوف فحسب، بل امتد، كذلك، الى المذيعين والمذيعات. هذا ما شاهدناه في إحدى حلقات برنامج «صبايا الخير» على شاشة فضائية «النهار»، إذ نشبت مشاجرة على الهواء بين المذيعة ريهام سعيد والشيخ يوسف البدري. بدأت المشاجرة عندما سألت المذيعةُ الشيخَ عن جواز لمس شخص امرأة غريبة عنه بداعي أنه يجري لها «رقية شرعية»، فرد البدري: «لا يجوز أن يلمسها...»، ثم هاجم الداعية الاسلامي الإعلامية، معتبراً سؤالها «تعريضاً»، وطلب منها التحدث عن «حياتنا وواقعنا». احتدت سعيد، بدورها، فراحت تخلع الحجاب الذي كانت تضعه على رأسها، وفقاً لشرط الضيف قبل المقابلة، واتهمت الشيخ بالامتناع عن الإجابة عن اسئلتها على رغم حصوله على مبلغ من المال حتى يقبل الظهور على الشاشة. وعندما تعالت نبرة التوتر والتشنج انسحبت المذيعة من الاستوديو، في خطوة جريئة غير معتادة، تاركة ضيفها، وحيداً، يرطن بكلمات غاضبة؛ غير مفهومة. أخبار هذه المساجلة الفضائية الحادة انتشرت، سريعاً، كالنار في الهشيم، فلم يسبق لمذيع أن ترك برنامجه على هذا النحو. ربما أقدم على إيقافه. لكنه يظل في الاستوديو. فالمعروف أن المذيع، وهنا نقصد ريهام سعيد، يطرح أسئلته مهما كانت محرجة ثم يترك مساحة زمنية لضيفه كي يجيب. ولئن حاول الضيف التهرب من الإجابة وبدأ بخلط الأوراق، كما فعل البدري، فإن ذلك لا يبرر عدم قدرة المذيع على ضبط أعصابه. الشيخ، بدا ذا طبع حاد وهجومي، متناسياً أن الدين يقول «رفقاً بالقوارير»، في إشارة الى التعامل باللطف مع الجنس اللطيف. نسي الشيخ وقاره، وراح يصرخ ويرغي ويزبد ويهاجم الفتاة والقناة التي حصل منها على المال كي يظهر على شاشتها، لتثبت هذه المشاجرة الفضائية، مجدداً، ان الذهنية العربية تضيق بالحوار الهادئ، وتميل الى الإقصاء والإلغاء واحتكار الحقيقة. كان ينبغي على الشيخ ان يتمتع ببعض الرزانة، خصوصاً انه يطل عبر وسيلة جماهيرية واسعة الانتشار، كما ان المذيعة ما كان ينبغي لها ان تخرج عن طورها، لا سيما ان المهنية الإعلامية تفيد بأن مقدمي البرامج ليسوا طرفاً في القضايا المطروحة، وعليهم ان يتحلوا بالصبر حتى وإن كان الضيف مستفزاً، كالشيخ الذي أراد أن يتحدث عن مواضيع تمسّ واقعنا، متغافلاً عن ان ما طرحته المذيعة يلامس صميم الواقع.