كان الداعية السلفي المصري يوسف البدري قد رفع دعوى قضائية على فضائية «النهار» في وقت سابق في إطار دعواته المتكررة لإغلاق الفضائيات التي ترعى برامج الحوار السياسي في مصر. الداعية المثير للجدل في حدود ما تبثه الفضائيات عنه وعن غيره من الدعاة تحت مسميات كثيرة، واصل وهؤلاء صبّ الزيت على النار بإقحام فتاوى في الحياة العامة، ما يشكل خطراً على السلم الأهلي في مجتمعات تتفتح وتزدهر فيها هذه التجارة. اليوم قد تبدو الأمور أصعب وأعقد بكثير مما كانت عليه بالأمس. وربما تصبح غداً أشد تعقيداً مما هي عليه اليوم. الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي متأهبة تماماً لتشحن هذه المجتمعات الخاضعة لها تحت مسميات مختلفة بكل ما من شأنه الدعاية - عمداً أو من دون عمد - للدعاة الجدد بغية احتلال المراكز الأولى في المشاهدة والإعلان. وربما أصبح واضحاً لدى بعضهم أن هناك تواطؤاً من نوع ما بين هذه الفضائيات، وهؤلاء الدعاة. تستعين بهم. ولا تقف عند تهديداتهم. بل إن بعض هذه الفضائيات يمكنه القيام ببعض المغريات لاستجلاب هؤلاء إلى ستوديو التصوير، وإجراء حوارات مستفزة معهم. هذا ما حدث مع المذيعة ريهام سعيد والداعية البدري قبل أيام في برنامج «صبايا الخير» على فضائية «النهار» المصرية التي رفع البدري دعوى قضائية ضدها. القائمون على «النهار» يدركون أن هذه الدعاوى ستذهب دائماً أدراج الرياح، وما يبقى هو أعلى النسب في المشاهدة، وبنظرة متفحصة على موقع «يوتيوب» حيث نُشر مقطع (دقيقتان وأربعون ثانية) من لقاء ريهام سعيد بالداعية البدري، تبدو الأمور وكأنها استدراج للداعية السلفي أكثر منها محاولة للحديث عن الرقية الشرعية ووجوب لمس المرأة من عدمه، في إشارة إلى فخ وقع فيه البدري في وقت سابق حين قام بلمس رأس صحافية متخفية نشرت صوراً له وهو يلمس رأسها ثم يعدّ النقود التي حصل عليها منها. اليوم تتكرر القصة. تضع ريهام سعيد غطاء على رأسها بطلب من البدري الذي يشترط ذلك للظهور معها في البرنامج. تسير الأمور بعكس ما يتمناه الداعية الذي يدرك أنه وقع في فخّ الرقية الشرعية مجدداً. ولا تقف الأمور عند هذا الحد، بل تنزع سعيد الغطاء عن رأسها وتتهمه بأنه قبل الظهور في فضائية يُطالب بإغلاقها مقابل ألف جنيه. تنهض المذيعة من كرسيها وتغادر الأستوديو لتترك الجمهور والداعية في حيرة من أمرهم. قد تبدو سعيد شجاعة بالفعل في مواجهة هذا الطوفان الذي يجتاح العالم العربي ويصنع أقواساً جديدة له، لكنّ الأكيد أن الشغل بهذه الطريقة على نصب فخاخ لمثل هؤلاء الدعاة قد يعقد من الوضع المأزوم أصلاً ولا يسمح بالحديث عن انفراجات واعتدال وتوازن يقوم به أهل الفكر، وليس نجوم ونجمات الفضائيات العربية. إذ ثبت حتى اللحظة أن الفضاء العربي لا يشكل رافعة أو حاضنة للحديث عن نهضة عربية متوقعة أو متوخاة. أقله حتى الآن.