بدا أمس أن الأزمة بين الحكم والقضاة في مصر مرشحة للاحتدام خلال الأيام المقبلة، بعدما أصر مجلس الشورى الذي يمتلك السلطة التشريعية موقتاً على المضي قدماً في تمرير قانون السلطة القضائية الذي يطيح آلاف القضاة. ويعقد نادي القضاة اجتماعاً اليوم للبحث في الأزمة يتوقع أن ينتهي إلى التهديد بتعليق العمل في المحاكم وتدويل الأزمة للضغط على السلطة. وأعلنت «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة تنظيم تظاهرات أمام مجلس الشورى بالتزامن مع مناقشة القانون، ولوح ممثلو أحزاب المعارضة في المجلس الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم بالاستقالة في حال أصرّ على تمرير القانون المثير للجدل. وتبدأ اللجنة التشريعية في مجلس الشورى اليوم مناقشة مواد القانون الذي يخفض سن تقاعد القضاة من 70 إلى 60 سنة ما يطيح أكثر من ثلاثة آلاف قاضٍ معظمهم رؤساء محاكم النقض والاستئناف التي تنظر في قضايا مهمة، إضافة إلى كل قضاة المحكمة الدستورية العليا والنائب العام طلعت عبدالله. وعلى رغم ما يروجه الحكم عن أن القانون جاء ل «تطهير القضاء»، إلا أن المواد المقترحة لم تتضمن أية إشارة إلى كيفية محاسبة القضاة أو آليات تعيينهم أو نقل التفتيش القضائي إلى مجلس القضاء الأعلى. ورفض الرئيس محمد مرسي خلال اجتماع جرى أول من أمس مع المجلس الأعلى للقضاء التدخل لمنع تمرير القانون، وإن تعهد حماية استقلال القضاء، فيما أشار مصدر قيادي في «الإخوان» إلى إمكان اللجوء إلى حل وسط في ما يخص سن التقاعد بجعله 65 عاماً. وقلل في تصريحات إلى «الحياة» من كون القانون سيطيح شيوخ القضاة، لافتاً إلى أن «هناك أعضاء في مجلس القضاء الأعلى تنتهي مدتهم هذا العام، والأمر نفسه بالنسبة إلى عدد من قضاة المحكمة الدستورية العليا». وأكد عضو اللجنة التشريعية في مجلس الشورى رمضان بطيخ أن المجلس سيدعو وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء إلى جلسات استماع لمحاولة التوافق على نصوص القانون قبل تمريره. وقال ل «الحياة»: «لا نسعى إلى حصول أزمة بين السلطات ونرى أن القانون ضروري حتى ينسجم مع نصوص الدستور الجديد، لكننا سنسعى إلى ألا يمرر من دون توافق عام لدى القضاة». وبعد اجتماع استمر حوالى ثلاث ساعات بين مرسي ومجلس القضاء الأعلى، قال بيان رئاسي إن الرئيس «يعتبر الحفاظ على استقلال القضاء واجبه الدستوري». ونقل البيان عن مرسي تعهده «احترام استقلال القضاء»، مؤكداً أن «الحرص على صيانة الدستور والقانون والحفاظ على استقلال القضاء واجبه الدستوري وأنه لا يقبل أي مساس أو تطاول على القضاء ولا على أشخاص القضاة وأنه يحرص في كل ما يتخذه من قرارات على الالتزام بالدستور والقانون واحترام أحكام القضاء». لكنه رفض إقناع جماعته «الإخوان المسلمين» بالتراجع عن تمرير مشروع قانون السلطة القضائية في مجلس الشورى الذي تهيمن عليه. وقال البيان إن «الرئيس أكد ثقته في قيام كل سلطة بواجبها تجاه الوطن في هذه المرحلة الراهنة وإنه حريص على الفصل بين السلطات من دون التدخل في شؤونها لترسيخ دعائم دولة القانون واحترام الدستور»، مشيراً إلى أن مرسي «رحب باقتراح المجلس عقد مؤتمر للعدالة يناقش مختلف المسائل التي تؤدي إلى صيانة استقلال القضاء وضمانه والحفاظ على حقوق القضاة وكرامتهم ومكانتهم، والبحث في أسباب توفير العدالة الناجزة، واستقرار الأحكام على قواعد معتبرة ثابتة، كما رحب بعقد اجتماع موسع مع القضاة في أقرب وقت لتوسيع دائرة الاستماع والمشاورة مع كل أعضاء السلطة القضائية». وبعد ساعات من اجتماع مرسي بشيوخ القضاة، شن رئيس نادي قضاة مصر أحمد الزند في مؤتمر صحافي هجوماً عاصفاً على نظام الحكم وحلفائه، وأعلن عقد جمعية عمومية غير عادية للنادي مساء اليوم، سيكون الحضور فيها مقتصراً على أعضاء النادي من القضاة وأعضاء النيابة العامة، إلى جانب مشاركة أعضاء في المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة وهيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية. وأعلن أن «النادي سيقدم بلاغاً للمحكمة الجنائية الدولية خلال أسبوع ضد القوى التي دعت إلى مليونية تطهير القضاء»، واصفاً مشروع قانون السلطة القضائية بأنه «رغبات شيطانية لأناس وهبوا أنفسهم للهدم والكره وتخريب الوطن». وأعرب عن «تقدير قضاة مصر لمختلف التيارات والقوى السياسية التي أكدت تضامنها الكامل مع القضاء في مواجهة المساس بالسلطة القضائية واستقلاليتها». وقال إن «قضاء مصر يتعرض لعدوان همجي بربري ممنهج منذ أشهر، ومشروع القانون الأخير يهدف إلى تجريف السلطة القضائية بجميع أركانها في القضاء الطبيعي والنيابة العامة والنيابة الإدارية ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية، لتفرغ السلطة القضائية من رموزها وجرف دولة القانون». وأشار إلى أن «القضاة خصوصاً الشباب يبذلون جهداً لمواجهة هذا التجريف ويدافعون بقوة وشجاعة لمقاومة أخونة القضاء». ودعت «جبهة الإنقاذ» التي تضم غالبية قوى المعارضة إلى الاحتشاد أمام مجلس الشورى في أول يوم يناقش فيه قانون السلطة القضائية، لرفض قانون «القضاء على القضاة». وقال مؤسس «التيار الشعبي» المنخرط في الجبهة حمدين صباحي خلال مؤتمر صحافي عقد مساء أول من أمس إن مشروع القانون «بمثابة جريمة ترقى إلى مستوى جريمة الإعلان الدستوري». ورأى المنسق العام للجبهة محمد البرادعي أن مشروع «قانون السلطة القضائية بمثابة مذبحة ضد القضاء المصري ويحد من استقلاليته». وشدد على أن الجبهة ستقاطع الانتخابات البرلمانية المتوقعة في أيلول (سبتمبر) المقبل «إذا لم تتوافر ضمانات لنزاهتها»، موضحاً أن «للجبهة شروطاً في طليعتها تغيير رئيس الوزراء في الحكومة المرتقبة، وتغيير الوزارات السيادية وعلى رأسها وزارة الداخلية والعدل... الجبهة لن تشارك في عملية ديموقراطية مزيفة». إلى ذلك، عاقبت محكمة جنايات القاهرة غيابياً بالسجن المؤبد وزير المال السابق يوسف بطرس غالي بتهمة إهدار 28 مليون جنيه في قضية كوبونات الغاز. وكانت النيابة العامة وجهت إلى غالي تهمة «ارتكاب وقائع فساد مالي خلال الفترة ما بين عامي 2009 و2010 أدت إلى إهدار أموال وزارة المال والمال العام، كما حصل لغيره على منفعة من دون وجه حق بالمخالفة للقانون». وغادر غالي مصر بعد أيام من اندلاع «ثورة يناير» في عام 2011، ويعتقد أنه يعيش في لندن. وكشفت التحقيقات وجود مخالفات في العقد الذي أبرمه غالي مع إحدى الشركات البريطانية لطباعة 45 مليون دفتر كوبونات غاز وبنزين. من جهة أخرى، رفضت نيابة مصر الجديدة أمس الطعن المقدم من الرئيس السابق حسني مبارك على استمرار حبسه في قضية فساد لتقديمه استئنافين خلال شهر واحد. وكان رئيس فريق الدفاع عن مبارك المحامي فريد الديب قدم أمس طعناً على قرار استمرار حبس الرئيس السابق 15 يوماً على ذمة القضية بعدما قضت محكمة جنايات القاهرة أمس بقبول طعن من النيابة العامة على قرار سابق بإخلاء سبيله وأمرت باستمرار حبسه. واستنكر دفاع مبارك قرار رفض الطعن، واصفاً إياه بأنه «إجراء تعسفي ضد مبارك وغير قانوني». وقال إنه «من حق المحكمة وحدها رفض الطعن وليس النيابة». وقال الديب في الطعن المقدم إن «المحكمة حينما فصلت في طعن النيابة العامة على إخلاء سبيل مبارك، لم تفصل في الموضوع ولكنها اعتمدت على أن محكمة جنح مستأنف غير مختصة بالنظر في قرار إخلاء سبيله، وهذا أمر يقع على مسؤولية محكمة استئناف القاهرة التي حددت الدائرة التي تنظر الطعن ولا دخل للمتهم به».