حرصت الملحقية الثقافية السعودية بواشنطن عقب تفجيري ماراثون مدينة بوسطن على الاتصال بالطلاب المبتعثين في الجامعات هناك للاطمئنان عليهم ومساندتهم. وبما أن العدد يصل إلى 1007 طلاب وطالبات، فلك أن تتصور الوقت والجهد المبذولين من مسؤولي الملحقية في تتبّع كلٍ على حدة. وقارنه باتصالك بمعارفك المعدودين لدعوتهم إلى وليمة أو مناسبة لديك! وكان بالإمكان الاكتفاء بإرسال «الإيميلات»، أو الرسائل النصية عبر الجوالات، أو بمكالمة بعض الطلاب، غير أن الإحساس العالي بالمسؤولية لم يختزل اليقظة والضمير إلى «بضع» رسائل أو مكالمات. ولا أدري حقيقة كيف أن الملحقية أسعفها الوقت وتمكنت من الاتصال بالجميع في يوم التفجير ذاته! التزام كبير ولا شك. ناهيك عن وابل «الإيميلات» التي أمطرت بها الملحقية المبتعثين، للتنبيه إلى أبسط الأمور وأعقدها. وحين تتصرف بمنتهى الحرفية والمتابعة في الظروف المضطربة، فإنك لا تضاعف من رصيدك الإيجابي فحسب، بل وتجلب معك الشعور بالأمان واحترام الكفاءة المهنية. بعد تفجيري بوسطن ستتجه بعض الإجراءات الأمنية الأميركية إلى مزيد من التشدد والتحفّز. وعندك الأخبار التي بدأت تتحدث من الآن عن زرع الكاميرات حتى في الأماكن العامة. باختصار، أميركا التي عرفها أبناؤنا وبناتنا ستختلف عليهم في تضييقها - وبخاصة على أجانب أرضها - عن أميركا قبل التفجيرين. ولا يجدي مع مراسم التغييرات المستجدة هذه سوى أن نقابلها برفع درجة وعي مبتعثينا وتثقيفهم بالقوانين الأميركية. وبالمناسبة فإن موقع الملحقية على الإنترنت فيه من التوضيح بالقوانين والإجراءات الأميركية الشيء الكثير. ولكن ما تستوعبه من خلال الشاشة غير ما ستتذكره باللقاء المباشر. فلو أن هناك لقاءات شهرية على مستوى المدينة، أو ربعية على مستوى الجهات (شرقية وغربية و... و...)، أو سنوية على مستوى الولاياتالمتحدة بين طلابنا ومسؤولي المباحث الفيديرالية، والأمن القومي، والهجرة، والجمارك إلى آخر القائمة التي بيدها توقيف أبنائنا في حال مخالفتهم الأنظمة الأميركية، أقول لو نستعد بعقد هذه اللقاءات الدورية، فمن المنطقي أن تأتي النتائج في مصلحة الطرفين: السعودي والأميركي. في شهر آذار (مارس) الماضي عاقب الاتحاد اليوناني لكرة القدم لاعبه الواعد بإيقافه عن اللعب مدى الحياة في جميع أنشطة المنتخبات الوطنية بسبب التحية النازية التي وجهها للجماهير. أمّا اللاعب الذي تقطع بكاء في غرفة تغيير الملابس وعمره 20 سنة، فقد أقسم أنه لم يقصد الإساءة إلى ضحايا النازية وإنما إيصال التحية لزميله وجاءت على هذا النحو. ولكن القانون لا يحمي الجاهلين به ولا يسامحهم. وعندما تسرّبت أخبار الاشتباه بالطالب السعودي المبتعث وعلاقته بالتفجيرين لمجرد أنه تصرّف عند إعادة الشريط المصور ببعض الغرابة في نظر الأميركان، سارعت وسائل الإعلام إلى التعريف بالطالب وبصفحته على موقع «فايسبوك». فطالعتنا صورته بالثوب وبمسدس لعبة ذهبي اللون يمسكه على طريقة العميل السري جيمس بوند. فهل من السلامة والذكاء تقديم نفسك - ولو مزحاً - بهذا الشكل وأنت في عقر دارهم؟ فما نراه مسلياً و «زاحفاً»، هم يرونه مشروعاً إرهابياً ومنبطحاً. حتى التهليل العالي بالله أكبر قد يعدونه دعوة إلى الجهاد عند الترجمة. وبحسب تصريح الملحق الثقافي السعودي بواشنطن الدكتور محمد العيسى فقد تم إنشاء إدارة للأزمات لمتابعة المستجدات والأحداث التي أعقبت تفجيري بوسطن. وهذا حسن ومطلوب، ولا يمنع على الإطلاق استحداث إدارة أخرى أيضاً تتولى عقد تلك اللقاءات المقترحة بين أبنائنا والمسؤولين الأميركان أو من ينوبهم. وهو جهد جبار وإضافي سيقع على عاتق الملحقية، ولكنه إجراء استباقي وضروري حتى لا تدخل الأزمات إلى بيتنا. وبالانتقال من المسائل القانونية والأمنية إلى تلك الدينية فلا يسعنا القول سوى أن أبناءنا يبتعثون إلى أميركا ولسان حالهم كمن يتمتم: وما حيلة المضطر إلا ركوبها. فعقولهم التي تغذت أعواماً على فتاوى تكفير الآخر والتخلص منه، محتاجة أن تلتحق بشيوخ معتدلين منهجهم الوسطية وقوله تعالى: «لكم دينكم ولي دين». شيوخ لهم وقارهم وعلمهم يلتقون بأبنائنا «دورياً» ليطمئنوهم على دينهم ويجيبوا بكل محبة وسعة صدر عن أسئلتهم الحائرة. فالدولة السخية بتمويلها واستثمارها، من حقها وواجبها الوقوف على أدق التفاصيل حتى لا تترك شيئاً للمصادفة أو المفاجأة. [email protected]