من يصدق أنه رغم الطريق المسدود الذي يواجهه لبنان على الصعيد السياسي نتيجة عدم قدرة الطبقة السياسية على تشكيل حكومة، فإن النتائج التي حققها الاقتصاد اللبناني جيدة؟ وهذا التناقض بين الوضع السياسي والنتائج الاقتصادية يدعو الى التساؤل عما إذا كان الأداء الاقتصادي الجيد يمكن أن يستمر في ظل التردي السياسي. وفي مقال تحليلي لنشرة صندوق النقد الدولي، صدر في آب (أغسطس) الجاري، توقع كاتبو المقال، وهم خبراء لدى الصندوق، أن يشهد الاقتصاد اللبناني نمواً أسرع وأكبر مما توقعه الصندوق لهذه السنة وهو بنسبة 4 في المئة. ويقول المقال انه قبل حوالى سنة بدا هذا السيناريو المتفائل مستبعداً، وكانت حكومة الوحدة الوطنية الهشة تركز على الإبقاء على نوع من الاستقرار الاقتصادي القصير المدى وتعدّ لانتخابات تشريعية أثارت الكثير من المخاوف على الأمن الداخلي. وتابع المقال أنه بعد ذلك نشأت الأزمة المالية الدولية، وعلى رغم كل التوقعات حول تأثر لبنان بهذه الأزمة، تمكن من مخالفة التوقعات المتشائمة واثبت نظامه المصرفي صموداً وصلابة، يستوجبان الإشادة به وبحاكم المصرف المركزي رياض سلامة الذي وضع قوانين صارمة لحمايته. فقد نمت الودائع المصرفية بحسب صندوق النقد الدولي بحوالى 20 في المئة سنوياً كما جمع المصرف المركزي احتياطياً دولياً ارتفع بنسبة 60 في المئة خلال سنة وبات يعادل تقريباً 70 في المئة من الناتج الداخلي الخام. ويؤكد المقال أنها ليست المرة الأولى التي يخالف فيها لبنان كل الرهانات على سقوطه الاقتصادي. فرغم اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005، وما نجم عنه من زعزعة أمنية أدت الى انسحاب القوات السورية من لبنان، ورغم الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، والشلل السياسي في عامي 2007 و2008 مع بسط خيم «حزب الله» في وسط المدينة، وتعطيل البرلمان لأكثر من سنة، بقي النظام المصرفي صامداً واستمرت حركة التحويلات وازدادت الودائع من اللبنانيين في الخارج والمستثمرين العرب والخليجيين. فقد قال أحد كبار المصرفيين اللبنانيين ان ودائع مصرفه ازدادت خلال شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) بحوالى بليون دولار، وهذا أمر مشجع. كما أن هناك تعميمات جديدة من المصرف المركزي بتقديم قروض لمن يريد شراء منزل في لبنان، لمدة عشر سنوات وبفائدة خمسة في المئة، شرط أن يكون منزله الأساسي وألا يبيعه خلال سبع سنوات. وهناك أيضاً قرار آخر تنبغي الإشادة به ويقضي بتقديم قروض بفائدة خمسة في المئة لأي مشروع مرتبط بالبيئة ومكافحة التلوث، وهذا ملح جداً ومطلوب للبنان. وعلى رغم كل هذه الإيجابيات يبقى التساؤل حول قابليتها للاستمرار في حال بقاء الوضع السياسي على حاله. وهذا يعتمد على رغبة الطبقة السياسية اللبنانية. وفي الوقت الراهن وعلى رغم التعطيل القائم، وعدم توصل المسؤولين الى اتفاق لتشكيل الحكومة، فإنهم وحتى إشعار آخر متفقون على الحفاظ على هدوء أمني مهم جداً. ولكن إذا استمر الوضع السياسي في الجمود والمراوحة في طريق مسدود، فهناك خطر من عودة التوتر الذي قد يؤدي الى تجدد العنف. كما أن الإصلاحات المطلوبة والمنتظرة منذ عام 2005 لن تنفذ، والسؤال عندها هو ما إذا كان لبنان سيستمر في نمط النمو الاقتصادي الراهن. فحتى لو كان الوضع الاقتصادي بخير حالياً، فمن الضروري تشكيل حكومة قوية ومتجانسة وراغبة حقاً في القيام بالإصلاحات الملحّة المطلوبة. ويقول البعض إن غياب الدولة عن القطاع الاقتصادي هو الذي مكنه من أن ينشط. إلا أن دور المصرف المركزي وحاكمه والنظام المصرفي اللبناني مهم وأساسي، ولكن لا بد للوضع السياسي من أن يستقر لاستكمال واستمرار نمو حقيقي وطويل المدى. والمرجو أن تعي الأطراف السياسية المختلفة مسؤوليتها وأن تمكّن الرئيس المكلف سعد الحريري من تشكيل الحكومة.