«الحملة الشعبية لمساندة كلفوت رئيساً لليمن 2014» هو اسم مجموعة شبابية على موقع «فايسبوك» تسخر من مشكلة انقطاع التيار الكهربائي التي تؤرق اليمنيين وتصرفهم عن قضاياهم الأساسية حتى قيل في الكهرباء ووزيرها ما لم يقله مالك في الخمر. و»كلفوت» ليس شخصية سياسية أو زعيماً قبلياً بل هو مجرد فرد عادي ضمن مجموعة متهمة بتخريب خطوط نقل الطاقة، ما أدى إلى إغراق البلاد في ظلام دامس ليلاً وحر قائظ نهاراً بالتوازي مع ضجيج المولدات المنتشرة في كل شارع وزقاق وعمارة. وخلال الأسبوع الماضي عاد اليمن إلى نقطة الصفر في ما يتعلق بقطاع الخدمات. فعلى رغم الشوط الذي قطعته عملية التسوية السياسية من قبيل إقالة كبار قادة الجيش في طرفي النزاع وإقناع مختلف الأطراف بالمشاركة في الحوار الوطني، لا شيء تحقق في مسألة الخدمات وتأمينها. ويتساءل البعض كيف لجيش عمره يزيد عن نصف قرن أن يحمي البلاد ويؤمن حدودها وهو غير قادر على حماية بضعة أسلاك. والمفارقة أن هذا التدهور يتزامن مع انتهاء مهلة كانت الحكومة أعطتها لوزارتي الدفاع والداخلية للقبض على المتهمين بالتخريب. وفي كل مناسبة تعلن السلطات عن قوائم بأسماء من تصفهم بمخربي أنبوب النفط وخطوط الكهرباء وكابلات الإنترنت لكن لا نتائج ملموسة بتوقيفهم حتى اللحظة. وإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي الذي يتزامن مع موعد الامتحانات، تثقل كاهل شبان اليمن مشاكل عدة منها ما يتعلق بما باتت عليه مؤسسات التعليم من إضرابات وتعطيل للدراسة وصعوبة الحصول على الكتب وبعضها يتصل بطبيعة الظرف العام الذي تشهده البلاد منذ اندلاع الاحتجاجات مطلع 2011. وتقول الطالبة في جامعة صنعاء رنا عاطف: «مهلة الحكومة مرت مرور الكرام وانقطاع التيار إلى ازدياد». ويرشح من الأحداث التي يشهدها البلد الأكثر فقراً بعد موريتانيا، استمرار وضع الدولة الهشة القابلة للانهيار. ويرى الخريج الجامعي العاطل من العمل مراد حسين في الروايات «المتضاربة والبليدة» حول حوادث تخريب خطوط الطاقة مثالاً على استمرار الأسلوب السياسي القديم للقوى الحزبية والقبلية المتصارعة والتي تتشارك في الحكومة. وتقدم مشكلة انقطاع التيار الكهربائي الذي وصل في 2011 و2012 إلى 18ساعة في اليوم، نموذجاً لفساد مزدوج ظل يسم الدولة اليمنية منذ إعلان الجمهورية في الشمال واستقلال الجنوب في ستينات القرن العشرين. فما شيد من مشاريع البنية التحتية جاء قليلاً ومحفوفاً بالفساد والمحسوبيات القبلية. وكان البعض أمل بأن يؤدي انتهاج النظام الديموقراطي إلى خلخلة القوى التقليدية ومحاصرة بؤر العنف بيد أن العكس هو الذي حصل. وبصرف النظر عن طابعها الساخر، تنطوي «الحملة الشعبية لمساندة كلفوت رئيساً لليمن 2014» على مضمون يعكس حقيقة واقع البلاد غداة ثورات الربيع العربي. فسواء وعى منظمو الحملة هذا الأمر أم لم يعوه، يجسد» كلفوت» وهو شاب ينتمي إلى محافظة مأرب القبلية، رمزاً للفاعلين غير الرسميين الذين يرى باحثون انهم الممسكون الفعليون بواقع الدولة والمجتمع. ويعترف كبار المسؤولين اليمنيين بأن ما تتعرض له خطوط نقل الطاقة هو انعكاس للصراعات السياسية التي تشهدها العاصمة، غير أن بعض الحوادث التي وقعت أخيراً كشفت عن تضافر الفساد الحكومي والسياسي. فاتضح أن ثمة مستفيدين حكوميين وغير حكوميين من مشاريع التخريب الذي تتعرض له خطوط نقل الطاقة والنفط بشكل متكرر. وفي حين تستمر الحملات على شبكات الإنترنت يبقى تأثيرها محدوداً قي بلد تغيب عنه الرقابة والمحاسبة وتتماثل فيه السلطتان التشريعية والتنفيذية. وبات واضحاً مدى الإحباط الذي يصيب الناشطين. تقول إلهام: «تساقطت أبراج الكهرباء وسقطت معها أرواحنا ولم يسقط سميع»، معبرة عن يأسها من جدوى حملة اطلقها ناشطون على الإنترنت لإسقاط وزير الكهرباء صالح سميع. وخلافاً للفوضى الخلاقة التي قال الرئيس السابق إن واشنطن وتل أبيب تديرانها للإطاحة بحكمه، اتضح أن اليمن تسوده «فوضى بليدة ومدمرة تنهض على المصالح الشخصية والضيقة وتتغذى على ثقافة عامة لا تولي اهتماماً بالملكية العامة». ويستغرب البعض تباري القوى السياسية على تحريك تظاهرات مؤيدة ومناهضة لنظام بشار الأسد في سورية، في حين تغيب عن أجندة هذه الأحزاب هموم المواطنين وقضاياهم. ويقول مراد: «كلهم كلفوت»، مشيراً بذلك إلى ما بات يسمى النهب المنظم للمال العام تحت غطاء المحاصصة.