حضّت أحزاب معارضة تنضوي في تكتّل سياسي مناهض لتوجهات الحكومة الجزائرية، المؤسسة العسكرية على لعب دور في وقف ما سمّته «مهزلة تعديل الدستور». وسبّبت هذه الدعوة تململاً داخل هذا التكتل السياسي الحديث النشأة وأحرجت أحزاباً إسلامية ترفض الزج بالجيش في السياسة. وانتقد رؤساء أحزاب وجمعيات ذات توجهات سياسية مختلفة (إسلامية ووطنية وعلمانية) مشروع تعديل الدستور خشية أن يقتصر على سيناريو تمديد فترة حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. ويتكتل 12 حزباً سياسياً معارضاً ضمن ما يعرف ب «المجموعة الوطنية للدفاع عن السيادة الوطنية والذاكرة التاريخية» وهي قطب سياسي تشكّلَ على هامش زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للجزائر في كانون الأول (ديسمبر) الماضي لكنه سرعان ما كشف عن أجندة سياسية تقف رافضة لتعديل الدستور والتمديد للرئيس الحالي. وأطلقت الأحزاب المعارضة مبادرة ضمن وثيقة جاء فيها أنه «يتعين على المؤسسة العسكرية أن تتخذ موقفاً وطنياً وانحيازاً إلى الشعب، والمساعدة في وقف مهزلة لجنة تعديل الدستور وتأمين الانتقال السلمي للسلطة». لكن بعض الأحزاب ذات التمثيل الشعبي الكبير لم ترقها الدعوة في ما يبدو، ولذلك خلا البيان الختامي من هذا المطلب لكنه ورد على لسان قياديين سياسيين في التكتل الحزبي بشكل انفرادي. وأفيد بأن أبو جرة سلطاني زعيم حركة مجتمع السلم الإسلامية التي تشارك في هذا التكتل السياسي، اعترض على الجملة من باب أن حزبه يرفض الزج باسم المؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية لكنه فقط يدعوها إلى الحياد. وشرحت زعيمة حزب «العدل والبيان» نعيمة صالحي موقفها من دعوة المؤسسة العسكرية إلى لعب دور في «أن تؤمّن مليونية شعبية في العاصمة ينظمها الشعب بتلقائية يطالب من خلالها هذا الأخير (الشعب) بوقف مهزلة لجنة تعديل الدستور بما تحمل هذه العملية من أضرار ومخاطر للبلاد والعباد ... وبمجرد أن نطمئن على أرواح الناس بحماية من المؤسسة العسكرية سنفاجئ العالم بأسره وسيسمع الشعب الجزائري صوته عالياً برفضه إهانته وطمس كرامته واغتصاب سيادته». وطالب عبدالقادر مرباح رئيس «الحزب الجمهوري» المؤسسة العسكرية بالتدخل لإنقاذ البلد وحماية الوحدة الوطنية، وطالب الجيش برفع أي دعم من جانبه للرئيس بوتفليقة، وألا يلطخ نفسه في لعبة الانتخابات. أما أحمد قوراية رئيس «جبهة الشباب الديموقراطي» فقال «إننا نطالب الجيش بوضع حد للمهزلة السياسية والعبث السياسي» في الجزائر و«حماية البلاد والعباد من الذين يلحقون بهما الضرر». ومن الصعب معرفة مدى «تلقائية» هذه الدعوة التي تحملها أحزاب كثيرة محسوبة على المعارضة في وقت تستعد البلاد لبدء المنافسة على الرئاسيات المقبلة، وغموض نيات الرئيس بوتفليقة في شأن ترك الحكم أم طلب التمديد لولاية رابعة. وهذه النقاشات يبدو أنها جعلت من ملف تعديل الدستور واجهة المعركة المقبلة. وتطالب المعارضة بتعديل المادة 74 من الدستور التي تترك الباب مفتوحاً لرئيس الجمهورية ليترشح دون قيود لهذا المنصب من دون تحديد عدد الولايات الرئاسية. وعدّل بوتفليقة الدستور في العام 2008 بإلغاء تحديد الولايات الرئاسية باثنتين ليتمكن من الترشح لولاية ثالثة في 2009، لكنه لم يعلن إن كان سيترشح في 2014 لولاية رابعة. وتقول مصادر كثيرة إن الدستور المقبل لن يحمل آلية لا لتمديد فترة حكم بوتفليقة ولا تجديدها، قياساً إلى عدم رغبة بوتفليقة في الترشح لولاية أخرى، وإن التعديل المقبل سيرتكز بالأساس على إنشاء منصب نائب رئيس للجمهورية. وقال مصطفى بوشاشي الحقوقي والنائب البرلماني عن «جبهة القوى الاشتراكية» المعارضة ل «الحياة»، أمس، إنه لا يعتقد أن «هناك نية حقيقية لتعديل الدستور ليكون تعبيراً عن إصلاحات وتطلعات الشعب الجزائري». وتابع أن كل «وعود الإصلاح كانت تراجعاً للخلف، وكلها كانت في خدمة النظام السياسي وليست في خدمة الجزائر والشعب والديموقراطية، فالطريقة التي تنتهجها السلطة لهذا التعديل أو إعادة النظر في الدستور لم تكن أبداً محل مشاورات شفافة والآلية التي وضعت للاستماع إلى الأحزاب السياسية والمجتمع المدني كانت مجرد آلية في يد الشخص الذي قام بتعيينها».